فاجعة طنجة، بثقلها الانساني والعاطفي والوجداني وما ترسب عنها من مآس وأحزان، وتراكم بسببها من أرزاء وأوجاع، سواء بالنسبة لأهالي الضحايا أو لسائر المواطنين، صارت، بحق، فاجعة كل المدن ، وتهافت الكل على إبداء الرأي بشأنها، وتفسير مسبباتها وإصدار أحكام مسبقة بشأنها وتحميل المسؤولية لهذا الجانب أو ذاك، بصفة اعتباطية، أو بخلفيات سياسية أو جهوية، بلا تريث أو تأن، وتحديد العناصر المتداخلة و المتفاعلة فيها، بمعنى أن حادثة بهذا المد الاجتماعي والانساني وبهذه الخطورة، لا يمكن إصدار أحكام متسرعة مرتجلة بشأنها، دون وضعها في إطارها الصحيح، وهي مسؤولية متخصصين يحاصرون الوضع ويشرحون كل عناصره قبل إصدار احكام قيمة بشأنه.
الكل يعلم أنه منذ ما يزيد عن عقدين من الزمان، وفي إطار الطفرة الصناعية التي شهدها المغرب، تشكلت بالبلد شبكة هائلة من مصانع النسيج، ليصبح المغرب واحدا من كبار الرواد في هذا النوع من الصناعة بالعالم. وحتى تزداد هذه الصناعة اتساعا من جهة، وتستوعب الآلاف من الشباب الباحث عن فرص الشغل، من جهة أخرى، تشكلت، إلى جانب مصانع النسيج والخياطة الكبرى، مصانع صغيرة، تشتغل على المناولة، وهي اليوم بالآلاف في جل المدن المغربية، واعتبارا لعدم وجود مناطق صناعية قادرة لعلى استيعاب معامل المناولة، فإن منعشي هذا القطاع يلجؤون إلى إقامة معاملهم في سراديب عمارات أو فيلات، غالبا ما تكون قريبة جدا من اليد العاملة، التي تجد بتلك المعامل الصغيرة فرصة للشغل، وأيضا للتكوُّن والتأهل .
والكل يعلم، أن مصانع المناولة، تسد اليوم فراغا هائلا في مجال التشغيل والتكوين وتشكل مصدر الرزق بالنسبة لشرائح واسعة من الشباب والنساء والرجال.
هذا وضع قائم من عشرات السنين. والكل عالم به وشاعر بأهميته، دون أن يثير هذا الموضوع الانتباه بشكل سلبي من طرف المواطنين ولا من طرف السلطات المحلية أو الوطنية.
ومع تفجر قضية فاجعة طنجة، حاول البعض، عن جهل، لا شك، بحقيقة الوضع، إلى إلصاق تهمة الإهمال ببعض المسؤولين وعلى رأسهم والي الجهة الذي إنما ورث وضعا قائما دون أن يظهر من هذا الوضع ما يدعو للتدخل.
الوالي ينسق بين ولاة وعمال الجهة المكونة من عمالتين وخمسة أقاليم وفوق 150 جماعة منها 49 قروية، كما ينسق بين مختلف المصالح الإدارية ، داخلية وخارجية وأمنية، فضلا عن إشرافه على نشاط المجالس الجماعية اعتبارا لصفة الوصاية القانونية لوزارة الداخلية على المجالس المنتخبة.
وهي لعمري مسؤولية ضخمة، أبان الوالي مهيدية، عن قدرة وكفاءة كبيرتين في تحملها وممارستها عن طريق القرب والحوار مع كافة مكونات الجهة من مجالس منتخية ومنظمات أهلية مدنية.
والحقيقة أن لا أحد ينكر وجود خلل ما في طريقة عمل مصانع المناولة يكون من أسباب فاجعة طنجة، والكل يراهن على الجهة المسؤولة عن الشغل والتشغيل التي من مسؤولياتها الأساس القيام بالمراقبة الاستباقية، فيما يخص ظروف إنشاء تلك المصانع، ومدى توفرها على التجهيزات الضرورية التي توفر الحماية والسلامة للعمال، وأيضا، مراقبة الرواتنب التي يجب أن تكون مطابقة لقانون الشغل.
هذا الرأي يجمع عليه كافة المراقبين والمتتبعين الذين تناولوا بالتحليل حالة معمل طنجة، الذي تأكد أنه، وغيره من المعامل المماثلة، أقيم بشكل قانوني وأنه مسجل، كغيره، في السجلات الإدارية والمالية والضريبية الضرورية وأن لا مجال للقول ب “سرية” أو “عشوائية” تلك المصانع.
وبالتالي، فإن الخلل يجب البحث عنه في جهة وزارة الشغل ومفنشي الشغل بالذات، وليس في ولاية الجهة، التي يشهد الجميع، أن الوالي محمد مهيدية، يدير شؤونها بكامل الجدية والحزم ويسجل حضورا دائما بكل أقاليمها وعمالتيها وجماعاتها الحضرية والقروية، وهو ما يستحق الإشادة و التنويه .
ج.ط