قضية فتاة تطوان، أججت النقاش القديم–الجديد حول العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، بين التجريم المبني أولا على الفطرة، وعلى حماية الفرد والمجتمع، والإباحة المبنية على الحقوق الفردية التي يطالب بها الحداثيون، ولكل طرف حججه وأدلته.
أعلم أني أخوض في موضوع لا قرار له، ومشكل لا حل له، في الوقت الراهن على ألأقل، ولكني سعيت لمحاصرته من باب الاستفادة والإفادة ليس إلا..
فبينما يترافع الحداثيون لصالح التحرر الكامل من سلطة الدين والممارسات “الرجعية“، يتمسك أصحاب “الاتجاه المعاكس” بمبدأ الدفاع عن قيم المجتمع المغربي الهادفة إلى حماية المرأة من “العبث” وحماية كرامتها من أن يتحول جسدها إلى “سلعة مهانة“، وإلى الحفاظ على النسل الذي هومن ضروريات الإسلام الخمس، وبطبيعة الحال حماية تماسك الآسرة وتوازنها، إذ إن إباحة العلاقات الزوجية خارج إطار الزواج، قد يبيح للمتزوجة ممارسة الجنس مع غير زوجها برضاها وفق أطروحة المنادين بتحرير الممارسة الجنسية من قيود الدين وسلطة المتدينين، وهو ما يؤدي حتما إلى ضياع التأمين على النوع الاجتماعي باختلاط الأنساب، وبالتالي، إلى فساد المجتمع ككل..
والحال أن الإسلام لم ينظر قط إلى العلاقات الجنسية كنوع من “الطابوهات” الاجتماعية، بل إن الإسلام اعتبر الجنس “شهوة” و “متعة” بدليل الحديث الشريف: “إن في بضع (جماع) أحدكم صدقة وإن الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة“. وأوصى أصحابه أن تسبق القبلة” عملية الجنس، حتى لا يأتوا نساءهم كالبهائم. صلى الله عليه سلم.
الترافع اليوم لفائدة رفع التجريم عن العلاقات الجنسية التي تتم برضا الطرفين، يدخل في إطار “الثورة الجنسية” التي التقطها بعض المحدثين في شعوبنا المتخلفة، بعد أن عافتها شعوبٌ جربتها قرونا وها هي اليوم تسعى لسحبها، عمليا، وإن أبقت على قوانين الإباحة، احتراما لالتزاماتها في مجال حماية “الحقوق الفردية“.
المترافعون لفائدة “تحرير” العلاقات الجنسية، يطالبون بالعودة إلى ممارسة جنسية تحركها الغريزة البشرية الجنسية للجنسين، والعاطفة والإرادة الحرة، ويرفعون شعار أن الحياة الخاصة بالأفراد ينبغي أن تكون محصنة من أي تدخل خارجي، سواء من سلطة الدين أو من سلطة القانون ، في إشارة إلى المطالبة بإلغاء الفصل 490 المتعلق بتجريم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، وهو ما يعتبره القانون الجنائي “فسادا” مجرما.
بينما حافظ الإسلام على صفاء النسل حماية للمجتمع أفرادا وجماعات و حماية المرأة بوصف خاص، حيث لا زالت النساء يناضلن من أجل توفير الحماية “الفعلية” لهن ضد كل أشكال العنف والتمييز النوعي ومن أجل “عدالة جنائية” تحميهن من بطش “الذكورية” المستأسدة على النساء بالرغم من القوانين التي وضعت في هذا الشأن والتي لا زالت تفتقد إلى الإرادة السياسية لتفعيلها بما يكون عدلا للمرأة والأسرة.
ومن الغريب أن يصطف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو مؤسسة رسمية، تعمل تحت غطاء الدولة، إلى جانب المطالبين بتحرير العلاقات الجنسية “الرضائية“، بل إن المجلس تخطى هذا المطلب “الحقوقي” إلى المطالبة برفع يد “التجريم” عن المثلية الجنسية أيضا، وعن تجريم الإجهاض ، اعتبارا لكون الاعتراض على ذلك يشكل تعديا على حرمة كيان السيدة الحامل، ومن ثم خرقا لحقوق الإنسان، كما يطالب المجلس بتجريم “الاغتصاب الزوجي” لأن “جوهر الاغتصاب” يكمن في إكراه شخص على ربط علاقة جنسية، بالرغم من وجود عقد زواج شرعي، وفق توصيات لجنة حقوق الأنسان.
والخلاصة أن فضيلة الاقتران الشرعي، بدل المعاشرة الجنسية “المتحررة من كل القيود الدينية والأخلاقية” والقيم المجتمعية، تكمن في إحصان الفرج، وغض البصر، وحفظ الأخلاق، وتحقيق الدرية الصالحة، وتنشيط العلاقات الاجتماعية، وحفظ النسل البشري، وتوالد النوع الإنساني، والتناسل جيلا بعد جيل من أجل بناء المجتمع الإنساني وعمارة الأرض وصلاحها.
سميةأمغار