هدية وزارة التعمير لأهل طنجة، مع حلول العام الجديد، كانت أنها “تجاهلت” مشروع تصميم التهيئة لهذه المدينة، في نسخته الثالثة، بعد رفض الحكومة نسختيه الأولى والثانية، رغم تباهي جماعة طنجة ب“العمل الجبار” الذي قامت به مصالحها ومصالح الجهات التي فوضت لها إعداد هذا التصميم، لتتبخر أمالها في العثور على ذكر له بين ثنايا الجريدة الرسمية.
حقيقة إن مسلسل التصميم أتعب المواطنين، سواء أولئك الذين “دخل فيهم البلان” ووجدوا أنفسه، بين ليلة وأخرى، في وضع صعب، أمام “الأمر المفروض” ليطلقوا حملات احتجاج سواء بباب قصر البلدية، أو على مواقع التواصل الاجتماعي، أو أولئك الذين ساءهم أن يتم إعداد هذا المشروع بين أربعة جدران، من طرف مكتب دراسات “متخصص“، بتكليف من الوكالة العقارية، بتكليف من الجماعة الحضرية. بمعنى “دخول غريب على غريب“!
حالة الجماعة مثير، حقا، للشفقة ، بعد أن تم رفضُ المشروع برمته، ةللمرة الثالثة، ليجد العمدة وجماعته أنفسهم في مواجهة مباشرة مع “قليلي السعد” ممن “عبثت” “المسطرة والفرجار وقلم الرصاص” بأراضيهم، وضاعف من معاناتهم أن جمدت عقاراتهم ، فلا هم قادرون على التصرف فيها بحجة أن الوكالة العقارية وضعتها داخل خانة “أراض تحت الدراسة” الأمر الذي يضعها خارج العمليات التجارية، …..ولاهم استفادوا من تعويضات “نزع الملكية” التي يجب أن تحترم الأوامر الملكية من حيث شروطها و قيمة التعويضات عنها ، والمدة التي يجب خلالها صرف تلك التعويضات ( الخطاب الملكي في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة. الجمعة 14 أكتوبر 2016).
التصميم “المشؤوم” الذي انتهت آجال دراسة تعرضات “ضحاياه” المتراوح أعدادها ما بين 3800 و 5500، عند كل طبعة، وإلى طبعته الثالثة، دون أن يجد المشروع طريقه إلى الأمانة العامة للحكومة، وتنقطع أمامه وأمام “منتجيه” كل سبل الدفع به إلى الجريدة الرسمية، ليتم أخيرا “حجزه” بوزارة التعمير بصفة نهائية، وهو ما سوف يعرضه للإلغاء للمرة الثالثة، والعودة به وبأصحابه إلى نقطة الصفر، انطلاقا من إعادة الصياغة والبحث العلني الذي سوف يفرض ، مرة أخرى، على الآلاف من المواطنين الذين “لدغوا من جحر الجماعة ثلاث مرات“، أن “يحشروا” في غرفة “زخرفت” حيطانها ، بالكامل، بخرائط يحتاج الناظر إليها إلى درجة عالية من القدرة على التعامل مع الخرائط، المرسومة بـرسوم وحروف تكبر وتصغر حتى يصير من الضروري استعمال عدسات مكبرة للتأكد من اتجاهاتها، مع أنه لا شيء يضمن للناظر أن يتعرف على الأرض التي جاء يبحث عنها في خرائط حائطية ليس من السهل فك طلاسمها في وقت وجيز، وأمام حشد كبير من “الباحثين والباحثات” هذا بالنسبة للعارفين. أما غيرهم فيفوضون أمرهم إلى الله سبحانه !
وكان المجلس البلدي قد أبدى رايه السديد في التصميم خلال جلسة استثنائية في يناير 2020، عند نهاية البحث العلني وتلقى تعرضات المواطنين ليأخذ التصميم طريقه إلى الرباط، ……وهناك “حط الرحال” إلى الآن تيمنا بالقولة المأثورة : “سيدي لا أفارقك” !.
ولكن العمدة لم يستسلم، بل أكد في تصريح صحافي أن الجائحة التي أربكت عمل الإدارات العمومية، هي السبب في تأخر دراسة ملفات تعرضات المواطنين والفصل فيها قبل الدفع بها إلى المراحل الموالية.
وعاد ليطالب بمهلة ثلاثة أشهر إضافية لاستكمال عملية فرز ومعالجة تعرضات المواطنين على التصميم، كما أثار نفس الموضوع بمجلس المستشارين الذي هو عضو فيه، إلا أن “مزاج” المسؤلين الحكوميين المعنيين لم يساير هذا الطرح، لتنقضي المهلة المقررة في 31 ديسمبر الماضي، ويجمع المجلس الجماعي أوراقه وخرائطة ويعود بخفي حنين إلى مسقط رأسه. وكان الله في عونه من تشفي المتشفين الناقمين، سواء من بين ضحايا التصميم أو من بارونات التعمير الذين يبدو أن هذا التصميم لم يكن “مؤاتيا” لتطلعاتهم بالكامل….. !
ولعل من ألطف ما قرأت أن العمدة وعد بالوقوف إلى جانب المعترضين والدفاع عنهم أمام من يجب. والحال أن التصميم الذي أبدعه نبوغ المجلس الجماعي هو السبب في وجود تلك الاعتراضات التي يمكن أن يفهم منها أن التصميم صيغ من طرف أناس “غرباء” عن طنجة، لا يعرفون وضع هذه المدينة وأحوال سكانها خاصة في المناطق المجاورة للمدينة، تلك التي أدخلت في المدار البلدي وهي لا تزال “قروية” وفرضت عليها مساطر البلدية مدنية وجبائيه ، دون أن تستفيد من التجهيزات و الخدمات التي يستفيد منها مركز المدينة. (عزيب أبقيو نموذجا)….
في هذا “العزيب” بمقاطعة مغوغة، عند مدخل المدينة عن طريق تطوان، الحياة لا زالت قروية بامتياز، بالرغم من أن البناء العشوائي غشاها لتفقد جمال القرية وتكتسب بشاعة الياجور. معظم سكان هذا “العزيب لا زالوا يتكسبون من الفلاحة وتربية الماشية والطيور.ومع ذلك شق التصميم طريقا من 12 مترا داخل أراضي الخواص، والحال أنه توجد بموازاة مع الطريق المبرمجة، طريق معبدة تقطع “القرية” طولا لتوصلها بالطريق السيار، وقد خضعت لعملية توسعة وترميم بشكل جيد، و تم بناه رصيفين من جانبي الطريق على طول امتدادها، كما تمت إنارتها أيضا إنارة جيدة، تحسدها عليها طرق وأزقة بمرشان والمدينة العتيقة، بينما تظل طريق 12 مترا المبرمجة “جاثمة” على خريطة التصميم، عنوانا للعبث والهدر والضياع… هذا ما يردده أصحاب الأرض.
هذه، فقط، حالة من حوالي 4 آلاف حالة اعتراض على الطبخة الثالثة من تصميم الجماعة، الذي قالت بعض المنابر إن “شبهات” تحوم حولها بسبب ما وصف بمجاملات استفاد منها بعض من يعرفون اصطياد الفرص. ونحن، بطبيعة الحال، ننزه الجماعة عن أي عمل من هذا النوع، ونربطه فقط، بسوء تدبير مرده، لا شك، إلى قلة الدراية بأمور كبيرة من قبيل إعداد تصميم هيكلة لمدينة كبيرة من حجم طنجة.
بعض المواقع، أرجعت حالة “البلوكاج” التي تعرضت لها “الطبعة الثالثة ” لمشروع التصميم أنما تعود لحرص الإدارة على تفادي استغلال انتخابي لهذا المشروع من طرف الحزب الذي تعرفون، والحال أن هذا التصميم حمل من الأضرار لآلاف مواطني طنجة ما يجعله حجة على حزب العمدة وليست حجة له !.
الأن، وقد انتهينا إلى قبول حتمية انتظار سنتين أخريين، والعودة إلى قاعة “البحث العمومي العلني” وإلى الآجال المسطرية، وإلى لجان دراسة التعرضات، وهيئات التأشير ما قبل النهائي حتى يصل المشروع المسعود إلى الأمانة العامة للحكومة التي قد تأمر (أو لا تأمر) بنشره بالجريدة الرسمية، لنحصل، في نهاية المطاف، على قرار بـ “رفع اليد” (الثقيلة) التي جثمت أربع سنوات على صدور من “سحق” البلان” أراضيهم وأمانيهم ومصالحهم لنقف جميعا عند مفاجأة أخرى…من قبيل “ إما وإما ! “ …
ويبقى السؤال الأصعب، ما هي الجهة التي يمكن للمتضررين التوجه إليها للمطالبة بالتعويض عن الخسارات التي لحقت بهم جراء تجميد عقاراتهم لأربع سنوات ، من طرف الجماعة والوكالة التي وضعت ممتلكاتهم خلال هذه المدة، تحت “الحجر التعسفي” الذي لا مسؤولية لهم فيه. لابد من جهة تتحمل المسؤولية، خاصة وأن الخطاب الملكي كان واضحا تمام الوضوح فيما يخص أسس انتزاع الملكية وطرق تعويض أصحابها، هذا التعويض الذي يجب أن يتم خلال آجال محددة، ووفق بثمن “رواجوقته”
نعلم أن لا أحد سوف ينبرى للدفاع عن هذه الحقوق ولكن المعنيين بالأمر تبقى أمامهم طريق القضاء المشرعة أبوابه دوما في وجه طلاب الحقوق المهضومة من أي جهة كانت…. !
عزيز كنوني