المتفحص لخريطة الوطن، يجد مغربنا متميز عن باقي خرائط جغرافية الشعوب شرقا وجنوبا فأراضينا سلاسل جبال، وهضاب، وسهول شاسعة، جغرافيتنا تضم أمواجا بشرية سكنت في بيئات متنوعة وتكلم أهلها بلهجات مختلفة بتعاقب الأحقاب والسنون، فتساهرت وانتقلت من جهة إلى أخرى أو إلى مناطق لم تعود عليها، تسوق المنتجات الفلاحية، فتأسست المدن والحواضر فكانت مراكز للقاء الأسبوعي، أو اختيار للسكن الدائم بفعل تبادل المصالح بين القاطنين من مختلف المناطق.
تعايشت شعوبنا وارتبطت بالأرض كوطن ولم يسجل التاريخ تطاحن عرقي، أو حروب بين قاطني الجبال ضد السهول أو سكان الهضاب ضد الشواطئ بل اتحدت مكونات شعوبنا ضد الأطماع الأجنبية نظرا لإستراتيجية المغرب، فجاء الفينيقيون إلى المغرب تجارا، كما احتل الرومان أجزاءا منه، كما غزاه البرتغال وبعدها الوصاية الإسبانية على شمال المغرب وباقي أطرافه الاستعمار فرنسا ولم يأخذ أي دخيل نفسه إلا وذاق من أشاوش رجال المغرب من مختلف أطرافه، وطنجة المجاهدة نموذج المضارب القبائل المجاهدة بأسماء أحيائها التي كانت قواعد لمحاربة الدخيل.
جاء المرشال اليوطي في شكل فقيه ليدرس طبيعة شعبنا وأطلق شعارات نسبت إليه لتفتيت الوحدة الشعبية كمثال: «إذا بغيتي تسلم لا تخالط مسلم» أو لبعث التشكيك والخوف في النفوس «سر الحويطة لحويطة كجهرة في الخويطة» إلى أن صدر الظهير البربري «الأمازيغي» كبعد لتفتيت وحدة الشعب فكان أول من حاربه هم البربر ـ الأمازيغ.
لم يعرف المغرب في تاريخه حروب اللهجات أو إغارة منطقة ضد الأخرى وحتى يضمن وحدته استدعت قبيلة أوربة الأمازيغية «المولى ادريس الأزهر» فكان العرش عرش شعب قبل أن يكون عرش ملك من بعده تسلسلت الإمبراطوريات المغربية إلى واحة السيوة بمصر وصولا إلى الأندلس.
بعض الببغوات كالراحل أحمد الدغرني وأحمد عصيد للركوب على وحدة الدم والعقيدة أرادا لأغراض الوصول إلى الوزارة أو البرلمان طرحا «الهوية» وجعلا إيديولوجيا من الأمازيغية «مسألة» مطالبان بإضافة حروف «تيفيناغ» إلى البطاقة الوطنية.
جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله مثواه عندما كان أحرضان يتكلم له عن الأمازيغية كان لا يجيبه.
الراحل أحرضان وقد بلغ من العمر 100 سنة وقد أصابه الخرف لم يصرح لإحدى القنوات إلا باللغة الفرنسية شرطا.
المحجوبي أحرضان
الشريف الإدريسي ذو المنبت الأمازيغي
ينتسب المحجوبي أحرضان إلى قبيلة زيان التي أنجبت المجاهد موحى أو حمو الزياني، كما أنجبت عالما جليلا هو أبو القاسم الزياني صاحب «الترجمانة الكبرى».
أورد مؤرخ المملكة عبد الوهاب بنمنصور في أحد أجزاء من سلسلة الكتب التاريخية التي أصدرتها مديرية الوثائق الملكية تحت عنوان «أعلام المغرب العربي» أن أحرضان ينتهي نسبه إلى عائلة إدريسية شريفة، استوطنت قرية تدعى «عليموسن» قرب والماس.
سعت السلطات الفرنسية إلى تعين والده قائدا على القبيلة حرص والد أحرضان أن يدرس أبناءه القرآن الكريم، فحفظ المحجوبي ما تيسر منه، كما تتلمذ على يد الفقيه محمد الناصري الذي أصبح يعرف بعباس المسعدي القائد العسكري لجيش التحرير الذي اغتاله حجاج أحد المقاومين بضواحي فاس.
كان أول منصب شغله أحرضان بعد الاستقلال هو منصب عامل الرباط والجهة التي كان نفوذها يمتد إلى عرباوة التي كانت نقطة حدودية بين الشمال والجنوب.
لم يلبث أحرضان أن دخل في جدال سياسي مع قيادة حزب الاستقلال تطور الجدال وبدأ التفكير في إنشاء إطار سياسي، ومما أدى في ميلاد تنظيم سياسي جديد هو نقل جثمان عباس المساعدي من مقبرة باب الفتوح بفاس إلى أجدير في الريف دون إذن الحكومة الاستقلالية إلى زج أحرضان والخطيب في سجن عين قادوس سنة 1958.
قضى أحرضان صحبة رفيقه الخطيب بضعة شهور في السجن، وعجلت انتفاضة الريف وبني وراين بخروجهما من السجن في نفس السنة 1958.
بدأت الإرهاصات الأولى لتأسيس الحركة الشعبية. بعد صدور ظهير الحريات العامة على يد نخبة من رجال المقاومة وفي مقدمتهم الدكتور الخطيب، وأحرضان، والبكاي، ولحسن اليوسي وعبد الله الصنهاجي، وانعقد المؤتمر التأسيسي للحركة سنة 1959 وتولى أحرضان منصب الأمين العام للحركة، وظل يشغل هذا المنصب إلى أن غادره مكرما سنة 1986.
استطاع أحرضان أن يجمع من حوله كل من كان يكن عداء لحزب الاستقلال، وخاصة منهم أبناء القواد والباشوات الذين عملوا أعوانا لإدارة الحماية الفرنسية وجاء الحزب ليصنفهم في موقع الخونة وكانت الحركة الشعبية هي الملاذ الذي إلتجأوا إليه لحمايتهم.
في هذا الصدد أكد الدكتور الخطيب أن الذي بنى الحركة الشعبية هم المقاومون لكنه وقع اختطافها من قبل هؤلاء الذين فتح لهم باب الحركة قصدا ليدخلوه ويصبحونهم كل شيء في الحركة بل أصحاب الحل والعقد فيها، كما كان لهم تأثير فعلي على جميع قراراتها.
عبد العزيز الحليمي