استعرت عنوان هذا العمود من قولة رائعة لعمر بن الخطاب، حيث اعترضت عليه امرأة وهو يخطب بالمحراب، فرد عليهان معترفا: “أصابت امرأة وأخطأ عمر“.رضي الله عنه.
أين أصاب أهالي “الفنيدق” وأين أخطأت الحكومة؟
الحكومة، كما يبدو، لا تزال تتعامل من المواطنين تعامل الحكومات السابقة مع مغاربة 1956. والحال أن الوضع تغير كليا، اليوم، بعد الطفرة التي تحققت، على مستوى العالم فيما يخص انتشار المعلومة والمعرفة، الأمر الذي رفع من وعي المغاربة بحقوقهم كمواطنين، ومكنهم من وسائل جديدة للتنديد والاحتجاج، والتشدد في المطالب، وأزاح من عقولهم تلك النظرة “النمطية” للحكام، وأذهبت عنهم الشعور بالخوف والدهشة، من مواجهتهم بالحق !.
وبالرغم من أنهم لم يعترضوا على قرار الحكومة بإغلاق المعابير بين سبتة ومليلية، إيمانا منهم بأن “تجارة المعابر” مضرة باقتصاد البلاد، وتتصف بالمذلة والمهانة، سواء من جانب رأس المعبر المغربي أو “ذيله” الاسباني، وتصديقا للوعود المطلقة ، وطنيا، بإنشاء منطقة تجارية حرة” ببلدتهم، تسقط عن منطقة سبتة الحرة، جاذبيتها بين المغاربة الذين يفدون عليها من كل مدن المغرب، نهاية كل أسبوع، لاقتناء كل أنواع السلع من الحليب والأجبان والمياه المعدنية ، إلى الملابس الفاخرة، والأحذية الإيطالية، والحلي،.وغيرها.
أما ما يسمونهم بـ“المهربين” من أبناء الفنيدق، فإنهم يشكلون” الفريق الأضعف” في شبكة هذا “التهريب” الذي تستفيد منه “الحيتان” الكبري ولا يدفعون أكثر من مائة درهم لـ “الحمالات والحمالة” مقابل يومين أو ثلاثة ايام من المعاناة مع “الوارديا سيفيل” الإسبانية،و أيضا مع أحبائنا رجال الجمارك والقوات المساعدة عند باب “الديوانة“…. بلغة أهل الفنيدق !
هذه صورة تقريبية للوضع بالفنيدق. ومع ضعف “المدخول” من “التهريب” الذي “يتمعشون” به، ومع أنهم لم يسعوا إلى هذا “التهريب” ولم يسئهم، بطبيعة الحال، فإنهم تفاعلوا إيجابيا مع قرار الإغلاق إلى أن تبخرت آمالهم، وتمكن منهم الخوف والقلق، واستبد بهم الفقر، وأصبح العديدون منهم
يعيشون إما عالة على أهال ميسورين أو على الأصدقاء أو على “إحسان الشارع” ليقرروا النزول إلى الشارع مع ما يحيط بذلك من “مخاطر“، ليصدحوا بحقهم على الدولة في أن توفر لهم ولو الحد الأدنى من سبل العيش.، معتبرين، في النهاية، أنه لم يبق لديهم ما “يخسرون” وأن “الغارق لا يخشى البلل… !.
موقف أهل الفنيدق صار واضحا بالنسبة للعموم. أما الحكومة فإن خطأها في أنها لم تتعامل، كما هو واضح، مع القضية بحكيمة وواقعية. وما ضرها لو أنها أجلت لسنة أو سنتين، قرارها بإغلاق المعابر، تقوم أثناء ذلك بإطلاق مشاريع بديلة ، حتي يتمكن أهل الفنيدق من الانتقال، بسلاسة من “تجارة المعابر” إلى التجارة المنظمة، بدل أن يواجَهوا بالإعلان عن بلاغات “إنشائية” حول “برامج مندمجة” ، وآليات الدعم والمواكبة“، بهدف “تحسين قابلة التشغيل” و “تحفيز ريادة الأعمال“، خاصة بالنسبة للنساء والشباب !
هؤلاء النسوة والشباب ، المصنفون في خانة من هم في ‘وضعية الهشاشة“، لا يفهمون معنى “قابلية التشغيل” ولا “ريادة الأعمال” ولا “المحاور“، ولا منصات المبادرات الاقتصادية المندمجة“…تلك مفاهيم ضبابية بالنسبة لكل “طالب معاشه“، لا يملك رزق يومه، ولا قدرة له على انتظار سنوات لكي “تتبلور” مشاريع “التنمية و“المقاولات الذاتية” و“قابلية الشباب والنساء لدخول سوق الشغل المهيكل.!….
الجماهير التي انتظمت في مظاهرات احتجاجية “غير مرخصة“، ، يوجدون في قاع “خندق الفقر والهشاشة” ولا قدرة لهم على انتظار أن تتبلور المشاريع “البديلة” عبر مراحلها الثلاث المعلنة، ولذا فإنه كان من الحكمة أن تتريث الحكومة لبضع الوقت، حتى تتم إقامة المشاريع البديلة قبل إنهاء “تجارة المعابر” التي كان يتعيش منها عشرات الآلاف من المغاربة، ولا مسؤولية لهم في ذاك، فالدولة هي التي رخصت، “ضمنيا” بهذا النوع من “التجارة” و“غضت الطرف” عن ذلك لعشرات السنين، حتى استعصى أمرها على الضغط والمراقبة، واستفاد من هذه الوضعية رهط ٌكثير خارج “المهربين المعاشيين“…… اسألوا المعنيين !……
عزيز كنوني