ولو أن العلم في أيامنا هـذه يخضع حتما إلى منطق البيع والشراء، كأي سلعة معروضة على المرتشيـن والمتاجريـن بكــل شيء من أجل التباهي والبهرجة.
حضرتني هذه المقولة القديمة، وأنا أطالع خبرا شيقا عن الطفلة زهيرة بادي، بطلـــة الفيلم الوثائقــي «في الطريق إلى المدرسة» التي أبهرت المتتبعين على صفحات المواقع ووسائل التواصل الاجتماعي، بقدرتها الخارقة على تحمل الصعاب وأي صعاب، من أجل الحصول على العلم الذي سيرفع عنها وعن أهلها معاناة الفقر والهشاشة ويرفعها إلى درجة التاثير الفعلي في حياة قريتها، وشعبها وبلدها الذي أركنها في زاوية المهمشين، ونسي أن يوفر لها أبسط الحقوق التي هي حقوقها، وأقلها طريقا معبدة توصلها إلى المدرسة لتمارس حقها الطبيعي في التعلم.
عشرات الآلاف من أقرانها وأترابها إناثا وذكورا يوجدون في مثل الأوضاع الاجتماعية التي كانت ظروفها، يعانون ما عانت، لربما أنها كانت أكثر حظا، فوصلت، أو أنها استفادت من دعم من جهة ما، فنجحت، ولكن، قبل هذا وذاك، فالفضل يعود إلى مجهودها الخاص وإلى إرادتها الصلبة وطموحها الشديد إلى تغيير وضعها الذي ترفضه وبقوة، و تغيير واقعها وواقع كل أطفال العالم، …بالعلم الذي لا يقدم للفقراء على طبق من ذهب !
وكما آمنت بالعلم آمنت على هجرتها بإحداث التغيير، انطلاقا من إيمانها بأن العلم، وليس المال والغنى الفاحش، هو الطريق الصحيح لتحقيق أحلام البشر، مهما تكالبت عليهم ظروف المكان والزمان، فالإنسان لا يستطيع اختيار بيئته الاجتماعية، بين الفقر والغنى، ولكنه يستطيع التأثير في بيئته لينهض بنفسه وأهله وأبناء وطنه، من أجل حياة أفضل.
وهو بالضبط، ما طمحت إليه فتاة إقليم الحوز، وزهيرة بادي، بطلة الفيلم الوثائقي «في الطريق إلى المدرسة» الذي كان محط إعجاب واسع لدى جماهير الفايسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي، هذه الطفلة التي تحدت، بإرادة من فولاذ، جميع الصعاب التي واجهتها، من أجل تحقيق حلمها بأن تصبح طبيبة. كان عليها أن تقطع مسافات طويلة تعد بالكيلومترات، وسط مسالك جبلية وعرة، وطقس قاس، وبيئــة أمنيـــة «عدوانية»… لتصل إلى المدرسة. التي هي الخيط الرفيع الذي يوصلها إلى مبتغاها مستحضرة بيتا من قصيدة «إرادة الحياة» لأبي قاسم الشابي».
ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر !
وهكــذا، وبعد أن حصلت زهيـرة على البكالوريا سنة 2017، تمكنت بفضل مساعدة جمعية أهلية، من الالتحاق بكلية الطب بباريس لتحقق حلمها بأن تصبح طبيبة نساء لمساعدة نساء الجبال الحوامل، التي يعلم المغاربة مقدار معاناتهن، مع صعوبة التنقل للوصول إلى المستوصفات ، حين توجد، وغالبا ما تنقلن في محامل الموتى، بين سكناهن والطريق المعبدة التي تقف عنها سيارات النقل، وفي أحسن الظروف، سيارات الإسعاف التي لا تسعف إلا بشروط !
زهيرة بادي تعتبر قدوة لفتيات جيلها، خاصة اللائي يعشن في البوادي والجبال، وهي تجسيد للقول المأثور«المستحيـــل لا يوجد».
شــرط التوفـر على إرادة قويــة، والعمل على تحصيـــل العلم والدراية والخبرة، من أجل مستقبل أفضل.
سمية أمغار