كل يوم قصة، والقصص لا تنتهي . فهي واقع حياة تستمر يوما بعد يوم إلى بلوغ محطة النهاية.
هناك مكتوب: ” قف! ” بخط أحمر غليض تتراآى من بعيد.
تتنوع القصص ، بتنوع موضوعاتها، وأوضاع شخصياتها. فالراشد ليست كالقاصر ،ولا الأنثى كالذكر، الغني ليس كالفقير، والجاهل ليس كالعارف! …بحجم تنوع المجتمع تتنوع همومه ،ومشاكله.
اليوم تحضرني فتاة في السادسة عشرة تقف أمامي ببطنها المنتفخ، رفقة أمها ، سائلة المساعدة والمؤازرة ضربا على يد الجاني الذي غرر بالطفلة، استغلها جنسيا،واغتصبها.
من هي هذه الطفلة؟ من هو والدها؟ من هي أمها؟ ما وضعها الإجتماعي،والثقافي؟….
هي فريدة.
فريدة التي لم تعرف من المدرسة سوى القسم الأول! بعده كان الهروب مع الصديقات للحقول،واللعب بعيدا عن القسم وضوضائه ،ومشاكسات التلاميذ ، واحتقاراتهم…
فريدة لم تسعد يوما مع أسرتها،كونها أكبر الإخوة والأخوات جعل جميع المسؤوليات ترمى عليها مذ كانت في سن الخامسة.
والد فريدة حياته كلها شغب يقضيها بين الخمر والمخدرات،ويعود كل ليلة ليعنف زوجته ويصرخ في وجهها ويكسر أثات المنزل،ويضرب أبناءه ،مطالبا أم فريدة دائما بالمال!!!
أم فريدة، وما أدراك ما أم فريدة ! يقول المثل المغربي:” البرد كيعلم سرقة العواد”،بالفعل تعلمت،وتفننت،وأتقنت علوما مكنتها من الإستمرار مع هذا الزوج ، مستجيبة وملبية جميع طلباته . فزوجها لا يهمه نوع العلم، ولا آلياته، ولكن همه الوحيد أن تستجيب له وتوفر مطالبه الخاصة، و التي لا تنتهي.
فريدة تعاشر شباب الحي، بل وتقضي أياما ،وأسابيع خارج المنزل،ولا من يهتم! فقد يعتبر غيابها إيجابيا لتخفيف العبء على الميزانية المرتبكة!
في سن التاسعة، يغتصب أحد الجيران فريدة، ويهددها بالقتل إن هي أخبرت أحدا. ثم في كل مرة تخرج زوجته ينادي عليها ،ويقضي غرضه،ثم يسلمها مبلغا جد هزيل،تنزل فرحة لتشتري الحلويات…
عند بلوغ الرابعة عشرة، تحمل فريدة من ابن الجيران الذي كان يستغلها في منزله، في غرفة فوق السطوح،حيث كانت تقضي معه أياما وليالي، بعلم “خفي” من أسرتها. لم تستطع أمها مساعدتها،بسبب دخولها السجن نتيجة جريمة جماعية شاركت فيها. تساعد بعض الجارات فريدة للوصول إلى جمعية حيث تستقبلها وتقدم لها الإيواء ،وجميع الخدمات المباشرة.كما تآزرها قانونيا. ولكن للأسف، عند خروج الأم من السجن، يقوم الجاني بملاطفتها، وإغوائها من أجل التنازل عن الشكاية، وأنه يعترف بطفلته،ويريد الزواج من فريدة.
أم فريدة ، الخارجة من السجن، ليس لديها سكن، ولا مال، فقد علمت أن زوجها أخذ الأبناء عند جدتهم ولم يعد لديهم بيت !!! أمامها إغراء كبير، عرض ولا في الأحلام!
تذهب للجمعية وتأخذ إبنتها وطفلتها…وطبعا تتنازل عن الشكاية!
في منزل المغتصب أصبحت تعيش فريدة وطفلتها، وأمها وإخوتها.حياة أسرية، المغتصب ينفق، وأم فريدة تطبخ ،والجميع سعيد، لا مبالي بأي وضع! في أحد الأيام تطلب أم فريدة من المغتصب أن يتزوج بابنتها كما وعدها، فيخبرها أن القاضي لن يسمح بهذا الزواج نظرا لصغر سن فريدة! تحتفل فريدة بذكرى مولدها الخامس عشر، وهنا تلح أمها في طلبها من أجل زواجه بابنتها. ولكن، لدهشة الجميع ينقلب الحفل مأثما، والفرح بكاء، ويهدد المغتصب أم فريدة بطرد الجميع، وأنه لا يعترف بهذه الطفلة…تمر الأيام ويبقى الوضع على ما هو عليه! وتكون فريدة واقفة أمامي لتخبرني أمها بأنها حامل من المغتصب للمرة الثانية!!!
طفلة ،هجرت طفولتها،لترضي الكبار. لا حن عليها والدها، ولا رحمتها أمها. أمها التي حملتها تسعا، وتألمت وبكت لوضعها، تبيعها رخيصة، تقايضها من أجل سعادتها….غريب أمر الدنيا،غريب!!! والآن طفلة أم لطفلة وطفلة؟؟؟؟اين الأب ؟ يرفض الإعتراف بهما.
استغربت كثيرا كيف لأم أن تبيع فلذة كبدها؟ كيف تسامح في حق ضناها؟ بعدما وضعت فريدة للمرة الثانية، وكان المولود ذكرا، زارها المغتصب وقدم لها الهدايا، ولطفله، وأخبر أمها وفريدة بأنه سيعترف بالطفل فقط! وسيتزوج بفريدة!!!
كيف يعقل لأم أن تقبل بهذا العرض؟ أليس هو نفس السيناريو يتكرر؟؟؟
لا وألف لا !!!
إن سمحت الأم، وتنازلت عن حق ابنتها، وحقوق أطفالها، فنحن لن نسمح بذلك ! تزويج القاصر جريمة يعاقب عليها القانون، والتغرير بالقاصر واغتصابها جريمة أخرى يعاقب عليها المشرع! وبما أنك طفلة، سنحميك من أمك، سنحميك من ظلم الغاشي، وسنترافع من أجل حقوق أبنائك في البنوة والنسب. لا تنصتي لأمك ،فالحياة أمامك لتتعلمي، وتحظين بما تعذر عليك بلوغه، سوف تتداركين، فقط اعلمي أنك مازلت طفلة!
ذ.وفاء بن عبد القادر