طلع علينا حديثا، خبر ملأنا فخرا وسعادة، نحن، نساء ورجالا، ممن نعمل بإيمان وإخلاص، على التصدي للصور النمطية التي تفرضها عقول متخلفة متكلسة متحجرة، لا ترى في المرأة سوى أنها “كائن ناقصُ يفتقد الرشد، ولذا وجب إخضاعها لسلطة الوالي المرشد، لأنها سهلة “الانزلاق” مجلبة للعار،وأن بنيتها العاطفية تعرضها للأمور المشينة، ولذا لا يحق لها أن تملك حق التصرف بإرادتها، وأنها “رقيقة” عند زوجها وأنها عورة كلها وأن “المرأة والحمار والكلب السود” مفسدة للصلاة، وأنها تقبل شيطانا وتدبر شيطانا، وأن أكثر أهل النار النساء….واللائحة طويلة…….
على أن ما استوقفني في هذه الباب هي أن توصف المرأة بالجهل الفطري، من طرف شيوخ وأئمة، وأنها كائن سطحي، بسيط، جاهل،…ولدينا في المغرب، قديما وحديثا سيداتٌ رائدات في العلم والآدب والسياسية والحكم والحرب، دون وال ولا مرشد ولا مقوّم.
حضرتني هذه الخاطرة وأنا أقرأ باعتزاز خبرا تعيين مغربية في موقع دولي هام، يرفعها إلى قمة المسؤولية في مؤسسة دولية خطيرة، ألا وهي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي منظمة دولية تعمل تحت إشراف الأمم المتحدة، تأسست منذ 64 سنة (1957) بغرض تشجيع الاستخدامات السلمية للطاقة النووية والحد من التسلح النووي وللاضطلاع بهذه المهمة، وتقوم من أجل ذلك، بأعمال الرقابة والتفتيش والتحقيق في الدول التي لديها منشآت نووية كما تعمل على تشجيع الاستخدامات المأمونة والسلمية للطاقة الذرية مع توقي استخدامها المدمر في إطار مبادئ ثلاثة: السلامة والأمن، العلوم والتيكنولوجيبة، الضمانات والتحقيق.
على قمة هرم هذه المؤسسة الدولية التي تضم 172 دولة، وآلاف الخبراء والعلماء والباحثين والتقنيين والمحررين، موزعين عبر عدد من عواصم العالم، تحتل عالمتنا الشابة، الدكتورة نجاة مختار، ابنة قرية “بامحمد” بمدينة تاونات، بعيدا عن مدن “الألبة” والأسماء المخيفة، والغني الفاحش، موقعا دوليا متميزا في فيينا، عاصمة النمسا، حيث وجدت الفضاء المناسب لمواهبها وطموحاتها لتصبح أول امرأة مغربية وعربية وإفريقية تتولى منصبا ساميا في الوكالة الدولية للطاقة النووية، نائبة المدير العام لهذه الوكالة الاستراتيجية الدولية.
الدكتورة نجاة مختار تخرجت من المدرسة العمومبة بالمغرب، ثم التحقت بالجامعة المغربية حيث كان اهتمامها كبيرا بمجالات الكيمياء والفيزيا والعلوم الدقيقة الأخرى، واللغات. وبعد أن نالت الدكتوراه في التغذية وعلوم الغدد الصماء من جامعة “لآفال” في كندا، وأيضا الدكتوراه في علوم الأغذية من دامعة “ديجون” بفرنسا التحقت ، فيما بعد، بالوكالة الدولية للطاقة الذرية حيث تدرجت في مسؤوليات متعددة، قبل أن يتم تعيينها في واحد من أعلى المناصب في هذه الوكالة، منصب نائبة المدير العام الى جانب رئاستها لإدارة العلوم والتطبيقات النووية بالوكالة.
قصة الدكتورة نجات مختار واحدة من قصص نجاح مغربيات خارج التراب المغربي، حيث برزن في شتى المجالات العلمية والسياسية ، والإدرية والثقافية والفنية وأيضا في مجال المال والأعمال، ربما لأنهن وجدن هناك المجال المناسب لإبراز مواهبهن، وأيضا التقدير والاعتبار لقدراتهن الفكرية والعلمية والثقافية، والفضاء الواسع، المفتوح في وجوههن من أجل النجاح والتفوق والتألق……
سمية أمغار