بنهاية شهر دجنبر الماضي، تكون فترة التسجيل باللوائح الانتخابية قد انتهت وأصبحت “معتمدة” ، إلا إذا ما تقرر إطلاق فترة تمديد جديدة، بسبب ضعف التسجيل، الأمر الذي سوف يعيد الجدل حول تدني نسبة المشاركة في الانتخابات العامة المقبلة، وعزوف الشباب عنها، خاصة وأن نسبة المشاركة في انتخابات 2016 كانت محبطة، ( 42 بالمائة) ، وهو ما يقارب نصف المسجلين، وأن المصوتين لم يبلغوا، هم أيضا نصف المؤهلين، بمعنى أن الأحزاب “الطالعة” فازت بنصف نصف النصف !…..
العزوف عن الانتخابات، بالنسبة للشباب، وهم يشكلون نصف سكان المغرب تقريبا، أصبحت ظاهرة تقلق الدولة والقوى السياسية معا، خاصة وأن الاستحقاقات الانتخابية المقبلة تعتبر محطة حاسمة، بالنسبة ا للتحول الديمقراطي الذي تشهده البلاد، والذي يتطلب تعبئة شاملة لكل القوى الحية ، خاصة الشباب، الذين يبدون “تذمرا” واضحا من العملية السياسية بالبلاد، وفقدان الثقة في المنظمات السياسية، الأمر الذي يشكل “امتحانا” صعبا بالنسبة للدولة وللأحزاب السياسية معا، حتى لا تتكرر “مهزلة ” نسبة المشاركة في انتخابات 2007، التي لم تتعد 37 بالمائة، ومع ذلك، فقد طلعت علينا بمفاجآت ولو أنها كانت متوقعة، إلا أنها أبهتتنا بالفعل، بعد أن شهدت “خسارة” الاتحاد الاشتراكي والظهور الضعيف للعدالة والتنمية، بينما برز حزب الاستقلال، من جديد، كحزب قوي، قادر على قيادة تركيبة حكومية تشكلت من حزب الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، ورغم بعض التطابق الظاهر في التوجهات الأيدولوجية، إلا أن حكومة عباس الفاسي لم تكن في مستور طموحات المغاربة، بل إنه وجد من اتهم بالفشل حكومة الاستقلال لأسباب منها الصراعات “الكتلوية” الداخلية ثم إن نتائج تلك الانتخابات، لم تحدث تغييرا يذكر في المشهد السياسي الوطني، بل إنها كرست الانخفاض المتواصل وبشكل ملحوظ، في إقبال المغاربة على صناديق الاقتراع، وهو ما يتهدد الانتخابات المقبلة.
ومرة أخرى يعود الحديث وبقوة عن العزوف الانتخابي خاصة بالنسبة للشبابـ، وإعراضه البين عن المساهمة في العملية السياسية والديمقراطية بالبلاد في شكلها الراهن، ، وهو حديث يثار عند اقتراب موعد الانتخابات لتطوى ملفاته مع ملفات محاضر مكاتب التصويت، بعد أن تكون العملية الانتخابية قد أفرزت الفائزين بالمناصب والمكاسب….ولتتم العودة إليها عند كل موعد جديد.
عزوف الشباب عن الانتخابات موضوع يستغله السياسيون ، ليلقوا باللائمة على الشباب في رفض المشاركة المواطنة، والحال أن لهذا العزوف أسبابه التي لا تخفى على أحد، من المسؤولين السياسيين و الحزبيين.
باختصار شديد، الأمر يعود، برأي المتخصصين الباحثين، إلى اتساع الهوة بين السياسيين وعامة الشعب، وإلى ضعف أداء المنتخبين على جميع المستويات، وفقدان المواطنين والشباب بوجه خاص، الثقة في الأحزاب السياسية واعتبارها مؤسسات لا تمثل الشعب، وأيضا إلى ما يخرج للعموم من صراعات داخلية لهذه الأحزاب التي غالبا ما تنعت بـ “الدكاكين السياسية” وأسباب هذه الاستعارة واضحة، صراعات ليست إيديولوجية أو منهجية، بل من أجل الحصول على التزكيات و الترشيحات المؤهلة للمناصب والمكاسب والفوائد !
ويعود أمر هذا العزوف إلى ضعف العرض السياسي المقدم للمواطنين من طرف تلك الأحزاب التي “ضربت” الشيخوخة معظم قياداتها ولا زالوا متعلقين بالقيادة، متمسكين بها في “تحايل” صارخ على الديمقراطية الداخلية
التي تمنع الشباب من ولوج المجال السياسي والوصول إلى مراكز الريادة واتخاذ القرار.
ثم إن حالة الإفلاس الحزبي تضرب في الصميم طموح الشباب إلى العمل السياسي ويزيد من عدم ثقتهم في تلك الأحزاب التي لا تثق في الشباب ، بل وتخشى أن يتمكن الشباب المثقف المكون تكونا عاليا، علميا وسياسيا، من الإمساك بزمام القيادة فيها، ليغير المشهد السياسي بما يخدم قضايا الإنسان المغربي، بعيدا عن المصالح الشخصية والتزكيات “المليونية” والمكاسب والمناصب والامتيازات الأخرى، وليحقق أمال الشعب في المساواة والعدل والإنصاف والحرية وفي حياة مجتمعية أفضل تكون الكلمة فيها للشعب وليس لسماسرة الانتخابات و”أباطرة” التزكيات.
وسوف يبقى شباب المغرب طودا شامخا في انتظار ساعة الحسم من أجل التغيير الذي هو قادر عليه في إطار الثوابت” الوطنية الراسخة، والأجماع الشعبي والوطني على دعم الاستقرار السياسي في البلاد