مع حلول “السنة الأمازيغية” الجديدة، يتجدد الجدل حول حقيقة هذه السنة ليمتد إلى شعوب الأمازيغ، أصلا وهوية وتاريخا وثقافة. نقاشات تدار كل عام، إما بمنطق العلم والبحث العلمي، أو من باب المواجهة أو الإثارة العاطفية.
جدلٌ ودجلٌ يرافقان النقاش حول هذا الحدث “التاريخي” بالنسبة للبعض، “الأسطوري” الخرافي بالنسبة للبعض الآخر، حيث إن باحثين عربا وعجما ، وإن اعترفوا، كلهم، بوجود القائد الأمازيغي “شيشنق” إلا أنهم ينفون أن يكون قد وصل إلى العرش الفرعوني وأسس الآسرة الثانية والعشرين بعد انتصاره حربيا على فرعون مصر. بل إنهم ينفون وجود أي دليل تاريخي على ارتباط شيشنق طيلة حياته وحكمه، بالأمازيغ، أو تشبثه بالهوية الأمازيغية.
والعجيب في الموضوع، أنه يوجد عربٌ وأمازيغ معا، من بين المتدخلين في هذا الجدل، تأييد أو نفيا، ومن لا يروا حاجة في إثارة هذا النقاش البتة، لما يحمل من دواعي التفرقة بين الشعب الواحد، ويؤكدون أن السنة الأمازيغية والراية الأمازيغية “ابتداعٌ فرنسي” حدث في منتصف القرن الماضي ! (الباحث إسماعيل العثماني -أكاديمي ومترجم. هيسبريس- فبراير 2014)
ومن المؤلم أن يوجد من يعتدُ بالدين ليمنع أو يجيز الاحتفال بهذه المناسبة المرتبطة ارتباطا وثيقا بتاريخ وأرض المغاربة. فيقول البعض من علماء التحريم والتكفير، إن الاحتفال بالسنة الأمازيغية “غير شرعي”، لأنه “مجرد خرافة” وعيد من أعياد “الجاهلية” و”الوثنية”، بينما يقول الجانب المقابل، إن الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية التي تصادف يوم 13 يناير من كل عام إداري، لا تخالف الشرع والدين، بل إنها عرفٌ من الأعراف الثقافية والعادات الاجتماعية التي توارثھا الخلف عن السلف في جل مناطق المغرب، وحملها الأمازيغ معھم حيثما توجھوا واستقروا. وھي احتفالات عائلية، مرتبطة بالتقويم الفلاحي” تتم بعيدا عن المجون والفسق والفجور، وبالتالي فإنها لا تتنافي مع أصول الشرع والدين.
وأقترحُ أن نبقى في هذا الجو الاحتفالي المغربي الأصيل، مع التذكير بما سبق وأن نشرته ، في موضوع الاحتفال بالسنة الأمازيغية ، من منظور الروايات الأمازيغية التي تنعش فينا مباهج الفرح والسرور، وتبعث في دواخلنا مشاعر البهجة والسعادة والحبور..
السنة الأمازيغية بين الحقيقة والأسطورة:
احتفل أمازيغ العالم ومعهم أمازيغ المغرب، هذا الأسبوع، بالسنة الأمازيغية الجديدة 2971 وفق التقويم الفلاحي فلاحي الذي يكرس ارتباط الأمازيغ بالأرض ويقوم على أساس تنظيم الحياة الزراعية والاجتماعية والسياسية في المجتمعات الأمازيغية منذ عهود قديمة.
وقد انطلق هذا التقويم من قصة اعتلاء قائد أمازيغي «شيشنيق» أو «شاشانق» أو شيشاق» أو «شوشنق»، عرش فراعنة مصر، حسب الأسطورة الأمازيغية، بعد انتصاره على جيوش رمسيس الثاني في معارك ضارية ببلاد بني سنوس، قرب تلمسان، وموت آخر فراعنة الأسرة 21، «بسوسنس الثاني» الذي تزوج الفرعون الأمازيغي ابنته..
وحسب العديد من الروايات المتوارثة، فإن بداية التقويم الأمازيغــي التي كانت في العام 950 قبل الميلاد، لا ترتبــط بمرجعية عقـــائدية أو دينية كما هي الحال بالنسبة للتقويمـــات التي سبقته، خاصة اليهودية والمسيحية والإسلامية، بل بحدث سياسي تاريخي، يسجّل انتصار شعب الأمازيغ على فراعنة مصر وارتقاء القائد الأمازيغي «شيشنق» (950 ـ 929 قبل الميلاد) عرش رمسيس الثالث، ليعطي بذلك انطلاقة الأسرة الأمازيغية الثانية والعشرين في سلسلة الأسر الفرعونية التي حكمت مصر.
وحسب الأسطورة الأمازيغية، فإن انتصار أمازيغ شمال أفريقيا على فراعنة مصر الذي حدث العام 950 قبل الميلاد، اختاره الأمازيغ ليكون بداية لتاريخهم ولتدوين تقويمهم السنوي الذي لا يختلف كثيرا عن تقويم يوليـان (جوليــان) الروماني. على أن بعض الدارسيـن يرون أن التاريــخ الأمازيغي قريب من التاريخ القبطي المصري. فكلا التقويمين ينبني على ثلاث سنوات مكونة من 365 يوما ومن سنة كبيسة من 366 يوما مع بعض الاختلافات بخصوص حساب شهر فبراير.
السنة الأمازيغية تنطلق إذ من انتصار القائد الأمازيغـي «شيشنق» أو «شـاشانـــق» أو شيشـــاق» أو «شوشنق»، واعتلاء عــرش فراعنــة مصر بعد انتصـــاره على جيـــوش رمسيس الثاني في معــارك ضاريــة في بــلاد بنــي سنـــوس، بالمغرب الأوسط ، ومــوت آخر فراعنة الأسرة 21، «بسوسنس الثاني» الذي تزوج الفرعون الأمازيغي ابنته.
شيشنق (950-929 ق م) هو ابن نمرود، بن شيشنق، بن ياتوت، بن نبنشي، بن ماواسانا ، بن بويوواوا وهو الجد الأكبر ينتسب إلى قبيلة المشواش الليبية وكان مقيما بصحراء ليبيا ، ويعتبر مؤسس العائلة الثانية والعشرين التي حكمت مصر زهاء قرنين من الزمن (950 – 730). وجاء ذكر شيشنق الفرعون الأمازيغي في كتب الإغريق باسم الملك سوساكوس. كما أن التوراة جاء على ذكره كملك قوي رفع من شأن مصر وسيطر على العديد من البلدان المجاورة ومنها فلسطين التي أغار عليها واستولى على كنوز المعابد اليهودية بالقدس وكنوز بيت الرب يهودا وأيضا على خزائن سليمان الذهبية. كما تروي صحف اليهود.
وحتى يدعم نفوذة الروحي كملك وكابن للكاهن الأكبر والده، زوج ولده وولي عهده «أوسركون» من بنت الفرعون الراحل الذي خلفه على عرش مصر كما زوج ابنه الثاني من إحدى بنات الكاهن الأكبر «بينوزم الثاني» كبير كهنة الإله أمون الذي كانت قبائل الأمازيغ المصرية تدين به.
اهتم الملك شيشنق بتعمير الأرض فشيد القصور و أقام هيكله الشهير في مدينة القدس، حرص على مصاهرة ملوك الممالك المجاورة فتزوج من ابنة الفرعون وملكة سبأ في اليمن، وغزا امبراطورية سليمان بعد أن تحالف مع يربعام عدو سليمان وقد انضم إليه «رحبعام» ابن سليمان واتخذ من «بوبيستيس» عاصمة لملكه، وكانت تعرف لدى العبرانيين بأرض “جوشن”، وحقق لشعب مصر السلام والازدهار الاقتصادي بالعديد من المنجزات الاقتصادية والعمرانية التي أنشأها. ولأول مرة، منذ الأسرة الثامنة، توافد عليه أمراء الفنيقيين يقدمون له الهدايا ويضعون القرابين في معابد مصر.
وتم العثور في مدينة الكرنك المصرية على جزء من لوحة يظهر فيها هو وابنه «أوبوت» «كبير الكهنة» في طيبة وهما يقدمان النبيذ في خشوع إلى الإله آمون، في مدينة هيرونوبوليس التي تحتل موقعا هاما في الطريق الى السويس.
الاحتفال بالسنة الأمازيغي بالمغرب:
يعتبر الاحتفال بالسنة الأمازيغية حدثا اجتماعيا يحمل دلالات رمزية ، ثقافية وحضارية وتاريخية، على المستوى الاجتماعي والثقافي والفني، بالمغرب وبالعالم الأمازيغي، كما يتميز هذا الاحتفال بممارسة طقوس خاصة ترسخت في الثقافة الأمازيغية التي تعتبر رافدا أساسيا من روافد الهوية المغربية والثقافة المغربية والثروة الوطنية.
ويتمثل الاحتفال برأس السنة الأمازيغية في إعداد الوجبات التقليدية وإقامة الطقوس الاحتفالية وفق عادات وتقاليد ورثها الخلف عن السلف وتتنوع بتنوع المناطق المغربية إلا أن القاسم المشترك هو غلبة الطابع الاجتماعي للاحتفال، بحيث تشكل مناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة فرصة يجتمع فيها أفراد الأسر لمد جسور التواصل وصلة الرحم.
يطلق الأمازيغ على الشهر الأول من سنتهم اسم «ينير» وتعني الشهر الأول كما يطلق على هذا الشهر اسم «تاكورت أوسوكــاس» ويعنــي باب الســنــة وكذلك «نــض ؤ فرعون» وتعني ليلة فرعون
ويحتفل بـ “النَّايْر” الذي يرمز إلى الخصوبـــة والازدهــار، بإقامة طقوس خاصة تباشرهـــا القبائـــل الأمازيغية، حيـــث يتـــم في هذه المناسبة، نحر ديك على عتبة المنزل، وذلك لإبعاد سوء الطالع، وللتفاؤل بالخير، ووفرة المحاصيل• كما يعد يناير مناسبة للقيام بطقوس محلية عديدة، تختلف باختلاف المناطـق، إلا أن العائلات تشتــرك في اجتماع أفرادهــا حول مائدة عشاء يناير، الذي يبقى مناسبة تتوارثها الأجيال.
واحتفـــال المغـاربــة بالسنـــة الفلاحيــة، تعبــيـــر عن تشبثهـــم بالأرض، وخيراتهــا، ويتجلى ذلك في الطقـوس المرتبطــة بالاحتفال، حيث يتـم بالمناسبــة إعداد العديد من المأكولات، والوجبات التقليدية المتعارف عليها، والتي تختلف باختلاف المناطق وبأنواع المحصولات المنتجة بها من حبوب وخضر وغيرها، ويتم اعداد “إِمْنْسِي” أي العشاء احتفاءً بالسنة الأمازيغية، كما أن الطعام الذي يقدم، يجب أن يشكل رمزا، لغنى وخصوبة ووفرة المحصول
وحسب المحفوظ أسمهري، باحث بمركز الدراسات التاريخية والبيئية بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية فإن دلالات الاحتفال بالسنة الأمازيغية تتمثل في التشبث بالتقويم الفلاحي الذي تعود جذوره إلى أقدم العصور، هذا التقويم الذي يختزل معطيات عن الدورة الفلاحية وعن الطقوس والمعتقدات المتصلة بالمنتوج الفلاحي الذي كان، وما يزال، الضامن لحياة الإنسان على الأرض. كما أن طرق الاحتفال بالسنة الامازيغية الجديدة تختلف من منطقة إلى أخرى، غير أنها “تشترك جميعها في إقامة وليمة جماعية، غالبا ما تحضر بالحبوب، وقد يصل عددها إلى سبعة. وهناك طقوس وعادات تمارس في هذا اليوم، وكلها تعبر عن الأمل في استقبال سنة فلاحية جيدة
ولتأكيد أهمية هذه المناسبة وعراقتها، أدرجت منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة احتفالات رأس السنة الأمازيغية في قائمة التراث العالمي اللامادي باعتبارها تقليدا تاريخيا عريقا تمارسه مجموعة بشرية وتتداوله الأجيال، وذلك إلى جانب أبجدية تيفيناغ باعتبارها تراثا إنسانيا لاماديا، وكذا الطبق الأمازيغي الأصيل “الكسكس” الذي تم تصنيفه في قائمة التراث الثقاقي اللامادي.
وختاما، نقول لجميع إخوتنا الأمازيغ : عيدكم وعيدنا جميعا مبارك سعيد، وكل عام والمغرب، المتشبث بوحدته والمعتز بثقافاته المتعددة، وبعرشه الضامن لوحدته وأمنه واستقراره، بألف ألف خير!..
عزيز كنوني