يضيق المرأ عن وضع اسم أو وصف لسنة 2020 التي “تخلصنا” منها منذ يومين، دون ندم أو أسف أو حسرة، والحال أن “الفراق” غاليا ما يصحبه شعور بالأسى والألم. فلقد أذاقتنا هذه السنة التعيسة، على امتداد شهورها الأثني عشر، أنواعا وأشكالا من القسوة و العذاب جعلتنا ننشد الخلاص منها كيفما حصل.
حقيقة إن للسنة دورا في تثيبت حالات اجتماعية وسياسية واقتصادية، كعلامات الطريق، تطبع حياة الناس عبر مراحل السنين، ترشد وتوجه، وتساعد على تفادي العوائق والعثرات، وتدفع إلى مراجعة النفس عند كل كل خطوة أو بداية مسار.
وهكذا عرفنا في المغرب خلال القرنين الثامن والتاسع عشر، على وجه الخصوص، سنوات “عجافا”، سجلت حالات إجتماعية واقتصادية وصحية وسياسية أيضا، لتصبح “دالة” على الحقب التي طبعتها، حتى أنها سارت مضرب الأمثال من باب الحكمة والموعظة. فقد واجهنا سنة القحط، وسنة المجاعة، وسنة الفيضانات ، و”عام الصندوق” (لضمان وصول الخبز إلى الفران، حيث كان البعض يستولي عليه من فوق “الوصلة”، قوة، لأكله عجينا)، وسنة الولسيس الأسود (الطاعون)، وسنة “بوكليب الأسود”، (الكوليرا) وسنة الجذام، وسنة الجذري، إلى غير ذلك من الأوبية التي ضربت المغرب في تلك الفترات من تاريخه الحديث. ( محمد الأمين البزار “الأوبئة والمجاعات في المغرب في القرنين 18 و 19 “مجلة دار النيابة- طنجة”)
فأين نضع هذا “الكوفيد” اللعين، من كل تلك الأوبئة التي “ضربت” المغرب ، قياسا بالأضرار التي ألحقتها بالمغاربة ، فتكا وتشريدا وقتلا، بينما كان العالم يضع آمالا عريضة على هذه السنة، ذات الرقم التركيبي الجميل ، ولكنها لم تتأخر في تبديد تلك الآمال…. وبعنف غير متوقع !….
قد نميل إلى اعتبار الوباء “الكوفيدي” الوافد علينا من أقصى الشرق، قد جمع بين الأوبئة و”الجايحات” كلها التي ضربت المغرب، شدة وحدة وإيلاما وفتكا، و تسبب في خسارات لا تعوض في الأرواح والأنفس، حتى ليخاله المرء عزرائيل جاء يحصد الأرواح ليوم الفزع الأكبر ! .
من “ووهان” كانت البداية
المفاجأة كان لها وقع شديدٌ على الناس في كل أقطار المعمور، والفتنة صاحبت المفاجأة التي زادها قوة وحدة، “تلفُ” العلماء في التعريف بطبيعة الفيروس وأليات تحركه وعمله وطرق تنقله، قبل التفكير في مواجهته. ولم يكن أحد يتصور حجم الكارثة بعد أعلنت الصين نهاية ديسمبر من العام الماضي تسجيل إصابات “بالتهاب رئوي فيروسي”
في مدينة “ووهان” ولم تمض إلا بضعة أيام حتي أعلن عن أولى الوفيات في تلك المدينة ، تم بدأت الإصابات تسجل في القارات الخمس. وأمام حالات الرعب التي عمت العالم، هرع العلماء إلى مختبراتهم ليبدأ السباق نحو اللقاح الذي يبقى الحل الوحيد للمقاومة. وموازاة مع ذلك، اتخذت قرارات إغلاق الحدود، وفرض إجراءات وقائية صارمة، ومنها الحجر الصحي الأربعيني أو “الكرنتينه” كما كان المغاربة يسمونه آنذاك، حيث يتم جمع المصابين بجائحة الطاعون في مكان منعزل، وتحت المراقبة لأربعين يوما، دون أي اتصال خارجي. (محمد الأمين البزاز: الأوبئة والمجاعات بالمغرب في القرنين 18 و 19″،
وقبل أن تظهر بوادر لقاحات صينية وأمريكية وأوروبية، كان فبروس الكوفيد قد حصد أرواح فوق المليونين من البشر، وأصاب فوق المائة مليون عبر العالم. ولعلُ ما تسبب في ترويع العالم، تذبذبُ التشخيص العلمي للفيروس حيث طغت عليه حالات من الشك وعدم اليقين، وتضاربُ فتاوى الخبراء ، فيما يخص أعراض الإصابات وسبل التشخيص.
هذا الوضع تسبب أيضا في ترويع المغاربة، بسبب تخبط المسؤولين في شرح ماهية الجائحة، وضبط آليات التدخل، وفوضى المستشفيات وعجزها عن مواجهة الوباء بما يلزم من العدة والعتاد، ونقص الأدوية وغلاؤها في الصيدليات، الأمر الذي جرّ على الدولة انتقادات حادة من طرف الشعب، وتسبب في فقدان ما تبقى من ثقة أهالي المرضى وعموم المواطنين، في خطب ووعود وتطمينات المسؤولين.
يضاف إلى ذلك عجزُ الدولة عن كبح جماح المتاجرين بآلام الشعب، من بعض الصيدليات وبعض المصحات الخصوصية، وسوء تدبير الخلافات بين أهالي المتوفين وأطر الصحة العمومية في بعض المستشفيات، الأمر الذي تداولته، باستنكار، بعض مواقع التواصل الاجتماعي وعدد من الصحف اليومية والأسبوعية، محلية وجهوية ووطنية.
مؤاخذاتٌ كثيرة ٌكانت للمواطنين المغاربة على تصرف الصحة العمومية في شؤون تدبير الجائحة، حتى علت صيحات تطالب بإقالة وزير الصحة، بسبب عدم انضباط مواقفه وتدخلاته ووعوده. كما أن المغاربة لم تفتهم ملاحظة تدخل جلالة الملك، لتصحيح الأوضاع، وتوجيه المسؤولين لأقوم السبل من أجل مواجهة مسؤولياتهم في وقاية المعافين وعلاج المرضى والمحافظة على السلامة الصحية لعموم المواطنين.
وحتى الإعلان عن خطط التلقيح لم يسلم من التخبط، والغموض، من حيث مادة اللقاحات ومواعده، باستثناء بعض البيانات التي ربما زادت من القلق في نفوس محتارة مرتابة !.
شهيةُ الموت المفتوحة للكوفيد حيرت فعلا كل نخب العالم المتخصصة في علوم الأوبئة والفيروسات، وأبانت عن قلق المختصين أنفسهم من تداعيات هذا الوباء. ولم تكن “بشائر” اكتشاف اللقاحات لتضعف من تشكك الناس عبر العالم، خاصة في البلدان الغير مهيأة علميا وثقافيا، لاستيعاب المدلول العلمي والتقني للقاح ودوره في تقوية مناعة الجسم ضد فيروسات الأوبئة، والتي ترتاب شعوبها من الوعود “المخدومة” لقياداتها السياسية . وحتي منظمة الصحة العالمية، بما تملك من إمكانات علمية ومالية وصيت ونفوذ عالمي، لم تنج من التناقضات بخصوص فيروس كورونا، حيث إن تصريحات مديرها العام الأريتيري الدكتور
تيدروس ادهانوم غيبر يسوس، كثيرا ما تعتبر “مستفزة” وكارثية ولا تدفع إلى الاطمئنان، ولا تبشر بخير. من قبيل ” إنه مع دخول الوباء عامه الثاني فإن العام الجديد قد يحمل انتكاسات في المعركة ضد كورونا”ـ
حقيقة إنه ليس المطلوب منه “التساهل” في إثارة الانتباه إلى خطورة الوضع وإلى ضرورة التقيد بالتدابير الاحترازية، ولكن بدون تهويل ودون مبالغات تفزع وتزعج وتهيج أكثر مما تدعو للمحاذرة والاحتراز، وتكدر على الناس حياتهم المهددة كل دقيقة وثانية بزيار الملاك المعلوم.
مع خالص الدعاء بالصون والحفظ والعافية وطول البقاء.
عزيز كنوني