المتأمل في تاريخنا الكفاحي ضد الدخيل الأجنبي، يستنتج بصفاء ما تولدت عنه روح الضراوة، من أجل الحصول على السيادة، من شمال جغرافيتنا إلى وسطها حتى جنوبها في الصحراء.
ثوار ومجاهدون وشهداء، من عبد الكريم الخطابي في الريف إلى موحا وحمو الزياني في الأطلس حتى ماء العينين في الصحراء، وعلى مستوى مغاربنا المجاهد عبد القادر الجزائري، والشهيد فرحات حشاد في تونس وعمر المختار الثائر في ليبيا.
الزعامة هي القدرة على تدليل المشاق، هي الدافع لاختراق الأهوال، هي التفرد بالجرأة وسط الجموع، صاحبها يتميز بذكاء حاد، غريز المعرفة، يمتلك أسلوب الإقناع أفرادا وجماعات.
تأتي الثقافة، والشجاعة، والنموذج الأخلاقي، والمنبت العائلي مع الوسط الاجتماعي الذي يفرز الزعيم.
قد تفرض الزعامة على الطفل، وهو مازال في الوحدات الأولى في دراسته حينما يتقدم الصفوف بتفوقه، أو في الحي عندما يفصل في خصومة بين أقرانه، أو في مغامرة يتقدم الجماعة في ريادتها، وهكذا وصولا إلى الأطوار الجامعية، حيث تبرز مؤهلاته بين الطلاب في الدفاع عن حقوقهم من خلال جمعيات، فتلقائيته تدفعه للخطابة وتقدم الجموع من أجل تحقيق المطالب.
الانفتاح على ثقافة الغير، وبعده التحليلي بتموقع شعبه بمقارنة بين باقي شعوب البشرية، المتقدمة منها على الخصوص يخلص ويستنتج بأن الدخيل، بحثا المواد الأولية يستنزف خيرات بلاده دون مردودية في حجم الاستنزاف، إصلاحات كانت، أو تطويرا معرفيا لأبناء بلده.
شعور يعيشه الطلاب في الجامعات، وخصوصا في مصر عندما تأسست الجامعة في العشرينيات، وتأسس بعدها «حزب الوفد» فترأسه «سعد زغلول» فتحفظ مؤسسوه عن مطالبتهم بالاستقلال مباشرة وصراحة واكتفوا باسم «الوفد» الذي سيوافض في كل شيء، وكذا «حزب الأمة» في السودان، وصولا إلى «حزب البعث» في سوريا والعراق، أي الخلق الجديد بقيادة «ميشيل عفلق» ما عدا «حزب الاستقلال» في العراق حيث أعلن عن هويته صراحة.
تميزت زعاماتنا بالجرأة مباشرة لتحقيق أهدافها تجاه الدخيل كحزب الاستقلال، وتقديم الشورى على بناء الاستقلال كحزب الشورى والاستقلال، ولحاجة شعبنا للتآلف كحزب الوحدة والاستقلال، وكذا حزب الإصلاح الوطني كهدف قبلي وبعدي.
زعامتنا ليست من إثنية معينة، أو من زعيم قبيلة ليصبح ناطقا باسم الوطن، بل زعامتنا تنحدر من عائلات عريقة كان منها الميسور والفقير، والعصامي، ومن انبثق وسط العمال، ومن بيوتات العلم مزج فيها الزعيم ثقافة عريقة وأخرى مكتسبة.
الزعيم أحمد بلا فريج أنصفه التاريخ الشعبي والتاريخ الوطني وذاع صيته داخل الوطن وخارجه، فكان متواضعا ساميا بثقافته العالية، بعيدا عن حب الذات وفرضها، فكانت قدراته العلمية وجرأته أن أهلته كزعيم وكأول أمين عام لحزب الاستقلال.
الزعيم أحمد بلا فريج
نموذج من زعامتنا مشرقا ومغربا
أحمد بلا فريج من أصول أندلسية، وهو من مواليد مدينة الرباط وقد كانت عائلته من بين العائلات العربية التي نزحت إلى المغرب بداية القرن السابع عشر فرارا من محاكم التفتيش.
التحق في سن مبكرة بالمدرسة، فدرس التعليم الابتدائي بمدرسة باب العلو، والإعدادي بثانوية مولاي يوسف ليكمل دراسته الثانوية بفرنسا التي حصل فيها على البكالوريا ليلتحق بعد ذلك بجامعة الملك فؤاد الأول بمصر قبل أن يعود من جديد إلى فرنسا ويلتحق بجامعة «السربون» التي حصل فيها على الإجازة في الآداب وفي العلوم السياسية في نفس الوقت وذلك سنة 1932.
أصدر بفرنسا بمساعدة أحد الفرنسيين الأحرار مجلة «المغرب» باللغة الفرنسية في شكل مقالات سياسية كان يكرسها للدفاع عن القضية المغربية.
كان صاحب إطلاق إسم حزب الاستقلال على التنظيم السياسي الذي أسسه عدد من الوطنيين ظل بلا فريج هو الزعيم الأوحد بلا منازع، كان هو أول أمين العام للحزب.
كان ميلاد حزب الاستقلال سنة 1943، وقبل ذلك كان بلا فريج هو مهندس المذكرة المرفوعة إلى جلالة الملك سنة 1943 والتي كانت تتضمن المطالبة بإصلاحات داخلية.
كما كان بلا فريج أحد مهندسي مذكرة 1944 للمطالبة بالاستقلال ونظرا لدوره الرئيسي في صياغة أفكارها، فقد أقدمت السلطة الفرنسية على نفيه إلى جزيرة كورسيكا ثلاث سنوات ليعود بحماس ليؤسس جريدة العلم التي تولى إدارتها وسعيا منه لفك الحصار عن القضية المغربية قام بزيارة مقر الأمم المتحدة سنة 1952، كما قام بزيارة شملت عدد من العواصم العالمية كانت كل من برلين ومدريد وقد حط رحاله بالقاهرة حيث الجامعة العربية بقصد حشد دعمهم للشعب المغربي في معركته ضد الاستعمار.
أول منصب حكومي تقلده بلا فريج بعد الاستقلال هو منصب وزير الخارجية في حكومة البكاي، وقد جمع بعد ذلك بين رئيس الحكومة ووزير الخارجية.
ظل يمارس نشاطه الدبلوماسي إلى سنة 1963 لكنه ظل يمارس كممثل شخصي لجلالة الملك لعقد كامل من الزمن حيث طاف معظم عواصم العالم.
أصيب بمرض إلى أن فارق الحياة سنة 1990 حيث وافته المنية في شهر رمضان وتصادفت مع الدروس الرمضانية الذي كان يترأسها جلالة الملك الذي ألقى كلمة تأبينية في حقه أثنى فيها على خصاله وعلى الخدمات التي قدمها لوطنه ولملكه قبل وبعد الاستقلال.
عبد العزيز الحليمي