يعتبر الحق في التمدرس من أولى حقوق الفرد في المجتمع، لكن وعلى الرغم من أولويته إلا أن البلاد لازالت تسجل أرقاما صاروخية في صفوف هدرها المدرسي، فحسب المعطيات التي أفاد بها سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي الناطق الرسمي باسم الحكومة، فإن أزيد من 300 ألف تلميذ قد فارقوا المدرسة خلال الموسم الماضي وبمختلف المستويات الدراسية. فهل هذا التراجع هو بسبب انتشار الوباء أو أن هناك أسبابا أخرى؟
وعلاقة بالموضوع وتزامنا مع تفشي فيروس كورونا المستجد ونظرا للظروف المزرية لبعض الأسر، اضطر العديد من المواطنين لإيقاف أبنائهم عن الدراسة، والأمر راجع دائما إلى أحوالهم الاقتصادية. فكما هو معلوم، فإن أغلب سكان المعمور قد تضرروا تضررا ملحوظا بفعل انتشار الوباء، وبمختلف القطاعات، إذ أن البعض منهم لم يعد يجد حتى قوت يومه، فما بالك بمصاريف الدراسة والمصاريف التي فرضها التعليم عن بعد، فكيف لأسرة تتكون من أربعة أو خمسة أطفال أن توفر لهم جميعا الجو الملائم للدراسة وبإمكانيات من آلة أو حاسوب واحد، هذا في حالة توفرها، علما أنه في غالب الأحيان تكون ساعة الدراسة المحددة، هي نفس ساعة جميع المستويات، ناهيك عن المبالغ المالية التي يجب تأديتها لخدمة الأنترنت. إذا كيف لهؤلاء الأشقاء أن يتناوبوا وأن يتشاركوا بل وأن يدرسوا وسط هذه الظروف؟ وهنا لابد من الإشارة والالتفاتة أيضا إلى أكبر المتضررين بهذا الأمر، ألا وهم أطفال القرى والبوادي الذين لا يتوفرون على شبكة الاتصال أصلا، ولا يتوفرون حتى على جهاز التلفاز، إذ لم يتم الالتفاتة إليهم في عز أزمة “كورونا”.
وفي هذا الصدد، وحسب ما أفادنا به بعض الأسر، فقد وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها وسط عراقيل جمة تمنعهم من تدريس أبنائهم. فبالنسبة للسيدة (ف.خ) فقد “كانت تنام وتصحو كل ليلة على تذمرات أبنائها نتيجة عدم التحاقهم بالدراسة” وعندما استفسرنا عن السبب أجابت ” في بعض الأحيان لم أكن أجد ما أطعمهم حتى فكيف لي أن أوفر لهم هاتفا أو حاسوبا أو حتى تلفازا لدراستهم؟” وأضافت “في فترة الحجر الصحي كنا بدون معيل وبدون أي دخل ولولا فاعلي الخير لكانوا أبنائي قد فارقوا الحياة”.
محمد، طفل آخر انقطع عن الدراسة خلال الموسم الماضي، بينما كان قد انقطع إخوته أيضا قبل ذلك. وفي مايخص الأسباب، وحسب ما جاء على حد لسانه، فقد اضطر إلى العمل بدوره كباقي أفراد أسرته لمساعدة والدتهم خصوصا وأنها وجدت نفسها، دون أي دخل بعدما انتشر الوباء.
هي مأساة حقا ما شهدناه وعشناه مؤخرا، بل ومازلنا نعيشه، ففي الوقت الذي ينبغي للبلاد أن توفر لأبنائها أبسط حقوقهم وأن تلتفت إليهم بل وأن تمد يد العون لهم، تجاهلتهم إن صح القول وسط تراجع وارتفاع كبير في نسب الأمية. فمن الأذى والإساءة أن يمنع أي طفل من حقه في التعليم، ومن قمة العبث أن لا تلتفت الحكومة إلى ظاهرة العزوف الدراسي المتواصلة، إذ كيف لنا أن نحلم وأن نطمح إلى غد أفضل في انعدام تام لأي تغيير، نتيجة إصلاح فاشل؟
رميساء بن راشد