كان موعد التقاط صورجماعية لنا ـ نحن التلاميذ ـ في ساحات المدارس الإبتدائية ،إبان الستينيات ،حدثا سعيدا نترقبه بشوق كبيرونستقبله بفرح شديد لاتوازيه سوى فرحة اليتيم بحذاء جديد ليلة العيد.. خاصة حينما ينهي الناظرإلى علمنا في الفصل ـ بعد الوقوف احتراما لحضرته ـ بأن موعد التصويرسيكون عصراليوم المصرح به تحديدا..ناصحا إيانا بارتداء نظيف هندام والحرص على نظافة الأجسام والالتزام بالنظام .. وعلى كل واحد(ة) دفع درهم بالتمام.
ولاتدخرالأمهات جهدا في مثل هذه المناسبة لإخراج فلذات أكبادهن في أبهى صورة نكاية في العين الثالثة وعين الحسود..حيث ينظفن وجوه وأطراف أولادهن ويظفرن جدائل بناتهن ويلبسنهن(هم)أنظف وأجمل ما اختزنناه في الدولاب من ملابس لاترى النور إلا يوم عيد.
ولازلت أذكرـ وكأنه وقع بالأمس القريب ـ لحظة اختلائي أمام المرآة ل”السكسفة” على حالي من أجل الظهورفي الصورة بالشكل المثالي حيث أمسكت بالمشط والمقص فشرعت في تمشيط وتصفيف الشعر وقمت بتمقيص وتنقيص ما بدا لي منه زائدا ـوأنا أصدج وأغني ـ وفجأة توغلت بالمقص في الناصية وإذا به يجزبقعة من فروة رأسي وقد ترك فراغا في حجم عملة نقدية خرجت لتوها من دارالسكة المحمدية.. أفزعني مشهد فراغ في مقدمة شعر رأسي فاشعلت نار الحسرة في صدري فقلت مؤنبا نفسي :
ـ يا ليتني ما فعلث..
ـ ياللمصيبة..فعلتها بيدي
ـ ياويحي..ياحسرتي
ـ ياخيبتي سأمسي أضحوكة بين الرقاق في المدرسة والحي والزقاق..وبالرغم مما اعتراني من يأس وقنوط فإصراري على التقاط صورة مع الجماعة لارجعة فيه..مما حفزني على إصلاح ما جزه المقص،فحاولت بداية ـوبغباء طفولي ـ إملأ الفراغ بالشعيرات المقصوصة التي سرعان ماتساقطت على جبهتي مما جعلني أبذل قصارى جهدي بحثاعن ملون أسود أسد به الفراغ فوجدت بغيتي في مادة تلميع الأحذية التي فكت عقدتي ..وبعد تخلصي من النقطة المشينة بمادة”السيراج”المشتقة من مخلفات البترول المزكمة للأنوف مما اضطرني إلى طمس رائحتها الخبيثة بنسمة دهان زيت الخرواع “البريانتين”الفواح الذي دهنت به”الفريزي”..
كنت ساعتها مبسوطا بطلاوة ذاك الروتوش الخفيف الذي غطى عيبا اقترفته يدي في غفلة من عيون أسرتي.. وفي اليوم الموالي حضرالمصورالمنتظربعدسته إلى ساحة المدرسة حيث رصت طاولات استقطبت تلاميذ الفصل بين وقوف وجلوس بالتدرج من الأقصر إلى الأطول بتوجيه من المصور بينما التلميذات تصدرن المقدمة وجها لوجه الكاميرا وعن يمين المجموعة معلم العربية وعن يسارها معلم الفرنسية إلى جانبه السيد المديروفي الواجهة سبورة تؤرخ للذكرى:
مدرسة الزرقطوني
القسم الابتدائي الأول
الموسم الدراسي65 /66
ولم تكتمل فرحة اللقاء بالكاميرا إلابعد مرورأسبوع حين وزع علينا الناظرالصورفي الفصل وبدأ التلاميذ يدققون النظرفي وجوههم المبتسمة ويحدد كل واحد منهم موقعه ويشيرإليه بأصبعه..وكمثلي من الرفاق سلطت البصرعلى “كمارتي” لكنني أصبت بخيبة أمل فالكاميرا اللعينة كشف “فلاشها” سري وفضح أمري..فذاك الفراغ الذي ملأته سوادا قد شع بريقا وهاجا.
محمد وطاش