كتاب وثائقي، استعراضي لأزمنة الصحف المغربية والحاجة لتأسيسها وطواقم إدارتها، وطبيعة إصدارها وميولات توجهها، ونوعية الجمهور الموجه لها والحاجة الملحة لإصدارها.
في حصيلة تقييم المؤلف للكتاب بأن البواكير الأولى للصحافة المغربية ارتبطت بفئة العلماء ورجال العلم والثقافة، فهذه هي الفئة التي كانت تستطيع فك الحرف وتملك القدرة على التعبير والكتابة، كما تتوفر على الجرأة للترويج لما تعبر عنه، ومن هنا فإن التجارب الصحافية الأولى لا غنى عنها في قراءة التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية في خطوطها الكبرى بالمغرب.
فالصحافة لم تكن مهنة بالمعنى المعاصر للكلمة، وإنما كانت تنشيطا من المناشط المساعدة يضمن نوعا من الاستمرارية في نفس الأدوار التي يؤديها الصحافي في مجالات أخرى مثل المنبر أو التدريس أو القضاء أو غير ذلك من المهن.
وهكذا نستعرض ما سمح به المقام المطبوعات والجرائد المغربية:
المغرب: كانت أول جريدة صدرت عام 1889 بمبادرة شخصية من عيسى فرج وسليم كسباني، وهما صحافيان من المشرق العربي وفدا على المغرب للبحث عن فرص عمل، وفي نفس الوقت تقديم خدماتهم لمن يرغب فيها، بيد أن هذه الجريدة لم تعمر طويلا.
السعادة: صدرت عام 1905 بمبادرة المفوضية الفرنسية بمدينة طنجة، وقد عهد بالإشراف عليها إلى أوجين مارغريت، المسؤول عن الإعلام والأخبار في المفوضية الفرنسية. وتولى مسؤولية إدارة الجريدة صحافي جزائري يدعى مولاي ادريس بن محمد الخبزاوي.
كان هدف الجريدة الإيحاء إلى المغاربة بأن عهدا مزدهرا ينتظرهم مع فرنسا، استمرت في الصدور من طنجة إلى حين إعلان الحماية 1912.
الطاعون: أنشئت هذه الجريدة 1906 بعد عامين من إنشاء جريدة «السعادة» التي كانت لسان حال الاستعمار الفرنسي، وكانت أول جريدة وطنية مغربية.
صدرت الجريدة بمدينة فاس بمبادرة من محمد بن عبد الكبير الكتاني عندما تزايدت وثيرة الدعاية الاستعمارية ضد السلطان عبر جريدة «السعادة» التي كانت تصدر في طنجة.
سنان القلم: كانت مبادرة محمد العابد بن أحمد بن سودة فأصدرها سنة 1907، ويعتبر زيد العابدين الكتاني «سنان القلم» منبرا ذا أهمية في الحياة الصحافية والسياسية المغربية، بسبب ما تعكسه من مخاض سياسي لتلك الفترة.
الصباح: ظهرت بمدينة طنجة 1906 كواجهة للدفاع عن سياسة المولى عبد العزيز في مواجهة المولى عبد الحفيظ خلال الانقسام في جسم النخبة المغربية إلى فئة تدعم الأول وأخرى تريد عزله وكان صاحبها يدعى «بن حيون» الذي كان من أعيان طنجة وكان يملك في ذلك الوقت مطبعة تحمل اسمه، وقد صدر أول عدد منها في أربع صفحات يوم 16 يوليوز 1906 وتوقفت في 6 يوليوز 1907 بعد صدور 52 عددا منها.
التحالف المغربي: أصدرها اليهود المغاربة خلال الحقبة الاستعمارية باللغة الفرنسية، فكانت منبر اليهودية المغربية، أسسها «إيلي ناتاف» وهو يهودي فرنسي من أصول تونسية استقر في المغرب 1912 حيث عمل مدير للتحالف الإسرائيلي العالمي.
وقد استمرت الجريدة في الصدور إلى نهاية الثلاثينيات لكي تضطر إلى تغيير حجمها عام 1939، قبل أن تمنع من الصدور في العام التالي.
الرأي العام: نشأت جريدة «الرأي العام» في النصف الثاني من ثلاثينيات القرن الماضي، وقد تعرضت للمنع مرات عدة بعد الاستقلال ويروي عبد الهادي بوطالب في مذكراته، وهو الذي كان يكتب بنفس الجريدة عمودا يوميا بعنوان «هذه سبيلي» أن الشرطة كانت كثيرا ما تداهم مقر جريدة الرأي العام.
الريف: أسسها التهامي الوزاني في تطوان عام 1936 وقد أراد الوزاني أن تكون الجريدة والتي كانت أسبوعية لسان «حزب الإصلاح الوطني» الذي أسسه عبد الخالق الطريس.
الوحدة المغربية: أنشأها محمد المكي الناصري لكي تكون لسان «حزب الوحدة المغربية» الذي أسسه عام 1937 بالشمال كما أصدر نظيرتها بالإسبانية بعنوان «أونيدا ماروكي».
الوداد: ظهرت هذه الجريدة في النصف الثاني من الثلاثينيات لصاحبها محمد شماعو وكانت جريدة سياسية ثقافية تنتقد الحالة العامة في البلاد ووضعية التعليم في المغرب.
الديمقراطية: في العدد الأول كتب الوزاني افتتاحية مطولة يشرح فيها دواعي إصدار الجريدة ويقول: يطلق حزب الشورى والاستقلال اليوم أسبوعية الديمقراطية باللغة الفرنسية، لماذا باللغة الفرنسية؟ لأن جزءا كبيرا من النخبة المغربية تلقى تكوينا حديثا عبر لغة فولتير، لذلك هناك العديد من الأجانب المقيمين في المغرب الذين يظلون معزولين عن مشكلات المغرب.
في عدد 21 يناير 1957 خصصت الجريدة صفحتين تحت عنوان «كفى من الاختطاف، كفى من التعذيب».
لافيجي ماروكان «الرقيب المغربي»: أنشئت الجريدة بالدار البيضاء عام 1908 من طرف الصحافي الفرنسي كريستيان هويل الذي جاء إلى المغرب قبل ذلك بعام واحد كمراسل صحفي لجريدة «لوماتان» التي كانت تصدر من باريس وكان «هويل» يتقن اللغة العربية واستطاع أن يتقرب من السلطان عبد الحفيظ.
يتبع…
عبد العزيز الحليمي