ارتأيت أن يكون هذا الموضوع مسك الختام قبل أن تنصرف سنة 2020 بمآسيها وآلامها وفواجعها..!! سنة استثنائية ليس إلا.. اتسمت ببالغ التعقيد والصعوبة بسبب اجتياح العالم لجائحة فيروس لعين جثم على صدور المغاربة سنة كاملة إلا قليلا لايريد أن يفارقنا ولا يبدو أنه يستعد للرحيل في الوقت الحالي.. هو بيننا «شاء من شاء وكره من كره» يمضي قدما بنفس الفتك والشراسة التي نزل بها علينا منذ البداية ويستمر على ماهو عليه إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.. إجمالا سنة لايمكن أن توصف إلا بكونها كارثية على جميع المستويات.. وقد خطر ببالي إثارة موضوع يخص فئة المسنين وكبار السن اعتبارا لما له من أهمية في مجتمعنا.. وبه أختم سلسلة مواضيع السنة غير المأسوف عليها.. هي مواضيع نشرت على امتداد فترات سابقة في سياق إثارة مجموعة من الظواهر الاجتماعية السلبية منها على الخصوص.. تناولنا فيها الكثير من المحاور ..أمطنا اللثام عن نقائص وعيوب سلبية.. وضعنا الأصبع على مكمن الداء بإثارة ملاحظات وانتقادات أملا في أن يجد كل ما أشرنا إليه آذانا صاغية وقلوبا واعية لتصحيح أوجه الاختلال وعلاج مشكلات اجتماعية أساسية ماتزال من طبيعة الحال قائمة في كثير من المجالات والقطاعات الحيوية..
الحديث عن فئة المسنين ضمن موضوع ننهي به السنة يعتبر في تقديري المتواضع على جانب من الأهمية إنسانيا واجتماعيا لكون مشكلات المسنيين واحتياجاتهم تستأثر باهتماماتنا، بل تؤرقنا جميعا إسوة بالفئات الاجتماعية الأخرى.. وتسليط الضوء على هذه الفئة التي تئن تحت وطأة ظروف صعبة، يحيلنا بالضرورة على التأمل في واقع آبائنا وأمهاتنا وهم في مرحلة متقدمة من العمر مع ما يصاحب ذلك من تغيرات فسيولوجية على كافة المستويات ينتهي إلى ضعف صحي عام في البدن والحواس والحركة، الأمر الذي يتطلب رعاية خاصة طبقا لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف.. علينا أن نتذكر ونحن نتأمل حالة الأبوين المسنين وقد بلغا من الكبر عتيا قول الله تعالى: «وقضى ربك أن لاتعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا»، والأمر لايقف عند الوالدين إذا بلغا سن الشيخوخة، بل يتجاوز الأمر ذلك إلى كل إنسان مسن رجلا كان أو امرأة ودون الخوض في البرامج والسياسات العامة للحكومة، فإن من أوجب واجبات هذه الأخيرة رعاية هؤلاء العجزة الذين يشكلون نسبة كبيرة في المجتمع المغربي…
دعوني أقول لكم بأن حكومة الكفاءات لا تتوفر على سياسة واضحة المعالم ولم تحقق برامجها ماكان منتظرا من أهداف ونتائج في مجال الرعاية الاجتماعية للأشخاص المسنيين..!! معظم هؤلاء يعيشون ظروفا صعبة في غياب وسائل وحاجيات تكفل حقوقهم وسلامتهم الصحية والنفسية دون الحديث عن الاستفادة من الخدمات والأنشطة الاجتماعية المتصلة بجوانب الترفيه والتسلية والزيارات خارج مراكزهم سعيا إلى تنمية قدراتهم ومهاراتهم والرفع من أدائهم ومعنوياتهم ولو في سن متقدمة.. هل تتوفر مؤسسات الرعاية الاجتماعية على هذه الخدمات لأهميتها في حياة الأشخاص المسنيين وأنهم -أي المسنون- يقضون فعلا أوقاتا سعيدة داخل الفضاءات المخصصة لهم «مجرد سؤال»..؟ في وقت يزداد الاهتمام وتبذل فيه بعض حكومات العالم جهودا كبيرة في مجال الرعاية المنتظمة المتواصلة لمواطنيها المسنيين نساء ورجالا احتراما لإنسانية الإنسان وصونا للكرامة البشرية، تقديرا لمكانتهم في المجتمع وللجهود والخدمات التي قدموها طوال مسارهم المهني… فأين حكومة بلادنا من كل هذه الرعاية والاهتمام المخصص لمواطني الكثير من بلدان العالم ضمنها بلدان عربية أقل شأنا من بلادنا؟؟ لابد من التذكير في هذا السياق من باب «وشهد شاهد من أهلها-» لأخلص إلى أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي صادق بالإجماع خلال إحدى جلساته السابقة على تقريره الخاص بوضعية الأشخاص المسنيين مشيرا إلى أن تزايد شيخوخة الساكنة المغربية يطرح العديد من الصعوبات والتحديات وأورد في تقريره أن 1/5 فقط من كبار السن يستفيدون من التغطية الاجتماعية والطبية في الوقت الذي تتزايد فيه احتياجاتهم الصحية والمالية ناهيكم عن عدم ملائمة البنية التحتية لمراكز الاستقبال مع خصوصيات وضعية كبار السن وغياب برامج التأهيل والتأطير داخل مؤسسات الرعاية الاجتماعية.. وقد يطول بنا الحديث في سرد ملاحظات واستنتاجات المجلس المذكور -على أية حال فإن الخلاصات والبيانات بالأرقام مسجلة في الأرشيفات المرجعية للمجلس المذكور لمن أراد الاطلاع عليها – نستنتج من التقرير المذكور أن السياسية العمومية المندمجة في مجال رعاية الأشخاص المسنيين غير حاضرة بما يكفي في برامج الحكومة السابقة لكون التقرير يتحدث عن الفترة الماضية التي تحمل مسؤوليتها «عبد الإله بن كيران والتي لم تحقق عبر سنوات من ولايتها ماكان مسطرا على الورق من «تصورات وأدبيات نظرية تبخرت في الهواء ولاجدوى لما تبخر في الهواء..!! وها هو تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي يكشف حقيقة وضعية الأشخاص المسنيين عبر ما يسمى بمؤسسات الرعاية الاجتماعية.. فماذا أعدت الحكومة لهذه الفئة المغيبة من برامجها وسياستها؟؟
ما هو البعد الاستراتيجي لوزارة الأسرة والتضامن في أفق النهوض بأحوال المسنين وتمكينهم من ممارسة حقوقهم وإدماجهم في النسيج المجتمع..!؟ دعوني أأكد لكم أن الكثير من مراكز الرعاية الاجتماعية يعيش نزلاؤها ظروفا لا إنسانية..!! وقد يطول بنا الحديث دون الوصول إلى استخلاص النتائج والحلول.. نآمل صادقين أن تعمل الحكومة الحالية وأن تحرص في برامجها إن «كانت لديها فعلا برامج» على إيلاء ما يلزم من الأهمية لهذه الفئة من المواطنين بل من أوجب واجباتها رعاية الأشخاص المسنيين والقيام على شؤونهم بالتتبع الجاد المسؤول والمواكبة المستمرة والمنتظمة والتكفل بهم وبما يضمن حقوقهم ويصون كرامتهم بضرورة توفير مؤسسات ومراكز حقيقية تليق بإنسانيتهم وبمكانتهم وبوضعهم الاعتباري في المجتمع… ولنتأمل قول الله عز وجل في حق رعاية الوالدين، ذلك ماتشير إليه الآية الكريمة بعد بسم الله الرحمان الرحيم «وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولاتنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا»…
ولنا عودة إلى الموضوع في مستقبل أيام السنة القادمة بحول الله..
إدريس كردود