احتفالات” يوم عاشوراء، هذا العام، حملت العديد من مظاهر العنف الذي وإن كان متوقعا، إلا أنه فرض على البلاد حالة من الهلع والخوف، صعبت “السيطرة” عليها رغم استعمال الوسائل الكبرى.
مدن تحولت إلى ساحات حرب تتحرك بداخلها جحافل من أطفال وشباب ويافعين في مواجهات مفتوحة مع القوات العمومية، صاحبها إطلاق أنواع مختلفة من “المفرقعات” القوية الانفجار، منها ما هو صناعة خارجية، ومنها “مبتكراتٌ محلية” قابلة للاشتعال وإحداث ذوي انفجارات فظيعة، ومرعبة، ما تسبب في إزعاج كبير للسكان الذين ألحقتهم أضرار مادية ومعنوية بسبب تلك الانفجارات كما تسببت في أضرار لرجال القوات العمومية في مواجهاتهم لـ “هجمات” شباب في حالة هيجان كبير.
كثيرون من نسبوا هذه الأحداث إلى غياب التربية داخل الأسر، أو إلى ترسخ ممارسات “دينية“، شيعية، أو “وثنية” أو حتى مجوسية، للاحتفال بيوم عاشوراء. إلا أن البعض من المتتبعين، وصلوا إلى استنتاجات اجتماعية ونفسية قد تفسر ظاهرة العنف التي تتفجر مرة كل عام، ويكون، بشكل خاص، يوم عاشوراء “ذريعة” وغطاء لها.
ولعل من بين الأجوبة على هذا الوضع، رأي ابداه الراحل سيدي أحمد بولعيش، الذي كان مديرا لثانوية ابن الخطيب العتيدة بطنجة، حين التحق ذات مساء بجمع من رفاقه وهو مسود الوجه، كظيم، مما شاهد من أوضاع اجتماعية مروعة، بأحد أحياء الصفيح بالمدينة، حيث كان في مهمة تفقدية، وحيث شاهد العشرات من الأطفال في عمر الزهور، يلعبون داخل سواقي الواد الحار التي تجري بين البراريك في الهواء الطلق، ذاك كان كل فضائهم للعب والرتع. إضافة إلى الفقر والحرمان الذين كانوا يعيشونه هم وأسرهم.
فكيف ستكون نفسية هؤلاء الأطفال، بعد ثلاثين سنة من البؤس والحرمان والفقر والكبت، حين يكبرون و “ينزلون” إلى المدينة، ويلاحظون رخاءها وسعة أهلها ويسارهم، وكيف ستكون ردة فعلهم؟ وكيف أنهم سيتفاعلون مع المارد الذي كبر بداخلهم، و “برمجهم” حقدا وكراهية وعنفا ضدّ من تبدو عليه علامات النعمة من بين مواطنيهم ممن توفرت لهم فرص تربية سليمة، عيش رغيد، ودراسة قويمة، وعمل متميز؟……..
العنف المشاهد في العديد من المدن المغربية ليس تعبيرا عن “احتفال” تقليدي بقدر ما هو “انتفاضة” ضد “الوضع” وأصحابه، الذين يحملهم المنتفضون مسؤولية أوضاعهم التعيسة، وفقرهم وضياعهم. وبالتالي فإنهم يجدون “لذة” في إزعاج “خصومهم” والانتقام منهم , وعندما يقومون بأعمال تخريبية، فإنهم إنما ينتقمون لأنفسهم ولأهلهم ولتعاستهم. وحينما يواجهون رجال القوات العمومية، بعنف ظاهر وإصرار على إيذائهم ، فإنهم يمارسون نوعا من عقاب الدولة، التي يعتقدون أنها تخلت عنهم وساندت المفسدين والكذابين والمتسلطين على السلطة والنفوذ والثروة والمستغلين لخيرات البلاد تحت الأرض وفوقها وما بينهما وفي أعماق البحور والمحيطات ، لمصلحتهم وأهاليهم، وقبائلهم أولا.
هؤلاء لا يُستمع إليهم، غالبا إلا عبر الفلقة والتعنيف، وحينما شاهدت شريط فيديو لمحزني بصفع بعنف فاضح شابا، بحضور القائد ورجال الأمن، ويرمي به بهمجية مستفزّة، هو ودراجته الهوائية، داخل السطافيط، في حي شعبيي كبير، ازددت اقتناعا بضروية تغيير منهجية التعامل مع شباب اليوم والقطع مع الممارسات السلطانية القديمة، فالمفاهيم تغيرت، وعوضتها أفكار حديثة لا يحتاج شاب اليوم إلى المرور بالجامعة ليعرفها ويقتنع بها وينخرط في بلورتها والدفاع عنها.
حقيقة أن من بين “المشاغبين” شباب من الطبقات الميسورة ، بل والنافذة أحيانا، ولكنهم “أولاد الفشوش” ممن يبحثون عن لذات سادية يظهرون بها تفوقهم ويبرزون عبرها مكانتهم الاجتماعية المتميزة.
الخلاصة أن أطفال وشباب الفوضى كانوا يبدون عبر شرائط الفيديو، سعداء بإضرام النار في المنشآت، ورشق الأمنيين بالحجارة، وارتكاب أعمال عنف يعرفون أن القانون يجرمها، ومع ذلك كانوا يتصرفون بهيجان وجنون، خاصة وهم يعلمون أنهم يخرقون تدابير أقرتها الدولة لمواجهة الجائحة الني تضرب البلاد طولا وعرضا، والتي قد تتسبب في كوارث جراء عدم احترامهم للقانون وأنهم يعرضون أنفسهم لمخاطر جمة ولعقوبات جنائية ثقيلة ومستحقة، بسبب ذلك
أظن أن كل محب لوطنه وراغب في توطيد أمنه واستقراره وازدهاره، مقتنع بأن المغرب بحاجة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى حكومة بوطنية 1955، وإلى إدارة وطنية، وليست فقط مواطنة، تجعل من المواطنين ،هدفا لأدائها، بالفعل، وليس بالشعارات ، بل وسببا لوجودها، حكومة وإدارة تتصرفان بحس وطني وإيمان راسخ بأن الشعب هو صاحب الأرض وضامن المستقبل، وأن التعامل مع الشباب يجب أن يأخذ بعدا وطنيا، لأنه الاستمرار…… ولأنه الأمل.
عزيز كنوني