من “يعرقل” قانون محاربة الإثراء الغير مشروع في مشروع القانون الجنائي المغربي. المعروض حاليا على لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان. ومن له المصلحة في ذلك؟ ولأية غاية؟
سؤال ربما لن نجد من بين الإداريين والمنتخبين من يجيبنا عليه وبصراحة.
كل ما تيسر من التسريبات في موضوع “الإثراء الغير مشروع” المعروض على لجنة العدل منذ 2016، أن هناك خلافات، بل “صراعات” داخل اللجنة حول تصور احزاب الأغلبية والمعارضة، لما يمكن أن يكون عليه هذا القانون “المزعج” بالرغم من تظاهر الجميع بالجدية في محاولة الخروج من مأزقه .
ومن خلاف إلى خلاف، يسقط الجميع في “بلوكاج” جديد بسبب تراجع البيجيدي عن اتفاق الإغلبية، ردا على تدخل وزير العدل الذي لوح بسحب مشروع القانون الجنائي برمته من البرلمان وإعادته للحكومة بغرض دراسته. البيجيدي سحب التعديل الذي تقدم به بمعية فرق الأغلبية بشأن مشروع قانون رقم 10.16 القاضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي، والإبقاء على الفرع المتعلق بـ“الإثراء غير المشروع” كما جاءت به الحكومة في المشروع المذكور، مع تمسك الفريق ببقية التعديلات المقدمة بمعية فرق الأغلبية.
ويلاحظ أن التعديلات ذاتها تظهر إلى أي مدى حاول أصحابها “خنق” التحقيقات ” في ثروة “المثرين” المحتملين، من بين المفروض فيهم التصريح بممتلكاتهم، وهم فوق المائة ألف، قبل التحاقهم بمناصبهم الادارية أو كراسيهم الانتدابية ، وبعد مفادرتهم لها. ومن بين هذه العديلات، ألا يخضع المعنيون للمحاسبة إلا بعد انتهاء مهامهم سواء الإدارية أو الانتدابية (حتى لا تزعجهم “مفاجآت” غير سارة قد تسيء إلى مركزهم الاجتماعي)، وأن يتم حصر مهمة المحاسبة في المجلس الأعلى للحسابات، فقط، (دون تدخل “جهات تحقيقات” أخرى، مزعجة) والاقتصار في التصريح بالممتلكات بالنسبة للمعني وأبنائه فقط، ‘دون الزوجات مثتى وثلاث ورباع وما ملكن أيمانكم) ، و دون الأخذ بعين الاعتبار الممتلكات المصرح بها قبل تولي المهمة الإدارية أو الانتدابية ( تلك الممتلكات جاءت كون الله تعالى ونعمه التي لا تحصى، ولا دخل لحبيبنا ادريس جطو فيها)……. !
حزب الاتحاد الاشتراكي الحليف، رد على تذبذب موقف البيجيدي، بمقترح تعديل يتعدى الحدود التي رسمها حزب اللمبة “الضاحكة” على وزن….( !) فيما يتعلق بتوسيع بحث جطو ليشمل فئات أخرى من البشر، تحفظ عليها تعديل الأغلبية “الغالبة“.
يتعلق الأمر بطلب البحث في ثروات المكلفين بتدبير المال العام ولو لم يكونوا من الفئة التي يفرض عليها التصريح بالممتلكات، وفي أموال المسؤولين الذين يتخلفون عن التصريح بالممتلكات ومتابعة ثرواتهم ليس فقط المتراكمة في الماضي بل وكل ما يمكن أن يحصل عليه في المستقبل. وكذا الثروات غير المشروعة للأمناء العامين للأحزاب وأمناء المال فيها، والمستفيدين من الدعم العمومي ومدراء ومسؤولي المؤسسات والمقاولات العمومية، وذلك على الأقل 10 سنوات من الأقدمية الفعلية في مهام التدقيق والتحقيق. وأيضا البحث في حالات فئات أخرى من المسؤولين. وهكذا يكون حزب الوردة قد مهد لجر ثلثي المسؤولين في جل القطاعات الحيوية بالمغرب إلى مكاتب ادريس جطو ومن معه، للبحث في “مكتنزاتهم“، ما حلّ منها وما حرم، وهو أمر من رابع المستحيلات، بعد “الغول” و “العنقاء” و“الخل الوفي“، على قول شاعر عربي من القدماء:
لما رأيتُ بني الزمان وما بهم…….خلّ وفيّ للشدائد أصطفي
أيقنتُ أن المستحيل ثلاثــــــةٌ.ٌ…….الغول والعنقاء والخلّ الوفيّ
وأمام هذا البلوكاج العنيد، تقدمت ثلاث فرق برلمانية، من الأغلبية، نهاية الأسبوع الماضي، التجمع الدستوري والحركي والاشتراكي، بطلب إلى لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب تلتمس تأجيل وضع التعديلات على مشروع القانون المعضلة، بعد أن كانت اللجنة قد حددت موعدا نهائيا لذلك. بمبرر تعميق دراستها على مستوى الفرق البرلمانية.
أما فرق المعارضة، (الاستقلال والأصالة والمعاصرة) فقد احتفظت بالتعديلات التي سبق وأن وضعتها حول مشروع القانون الجنائي الذي يبدو أنه استحلى المقام في ثلاجة البرلمان، بعد أن دخلها منذ أربع سنوات، ليعود ‘ليها بعد سويعات من “الفرج” داخل لجنة العدل والتشريع وحقوق الأنسان.
عزيز كنوني