نحن اليوم في قلب معركة قلة من الناس تعرفقيمتها الحقيقية، وقلة من الناس تعرف حجمها الحقيقي، وقلة من الناس تعرف تداعياتها الحقيقية.
اليوم، ويجب أن نقول هذا الكلام للناس لكي تعرف معنى المعركة الدائرة، هناك صراع حقيقي بين من يفضلون مصلحة المغرب على ماعداها وبين من يفضلون مصلحة جيوبهم، وحساباتهم البنكية.
في المغرب لدينا حظ كبير أننا لسنا جميعا فاسدين، ولسنا جميعا مفسدين، ولسنا جميعا عبدة مال، ولسنا جميعا أناسا نأتمر فقط بصوت الفلس ورنينه.
هناك مغاربة تلقوا تعليمهم في المدارس العمومية، ارتقوا في مناصب مهنهم الوظيفية أيما ارتقاء، لكن ظلوا على الإيمان الأول أن المغرب أسدى لهم الخدمة التي لاتنسى، خدمة العمر، وقدم لهم فضل السن كله، جعلهم قادرين على التمييز بين الصالح وبين الطالح، وجعلهم أساسا قادرين على اختيار المغرب حين اللحظة الفصل.
من بين هؤلاء الرجال في المغرب اليوم رجل يسمى عبد اللطيف الحموشي. مسلح هو بتعلميات ملكية سامية تقول له « |المغرب أولا وبعدها وقبلها ووسط كل الأشياء لا شيء يهم »، لذلك اختار خوض هاته المعركة الأهم.سمع من بين ما سمع أن هناك أناسا محميين، أقوياء، أو يدعون القوة. لديهم مظلات عديدة يتبجحون بها وبقدرتها على صيانتهم مهما ارتكبوا. قالوا له في الرسائل الواضحة والمضمرة كلها « لن تستطيع المساس بنا ».
لم يرد عليهم كتابة، لم يرد عليهم بالقول، رد عليهم بالفعل. قال لهم هاته المرة أمام أنظار المغرب كله « أنا قررت أن الحرب على فسادكم هي حرب مقدمة على ماعداها، ولتردوا علي بالطرق التي تتقونها كلها ».
كانت المفاجأة صادمة، قاتلة لمن تعودوا أن يحلوا مشاكلهم برنة هاتف واحدة. لمن ألفوا أن يقولوا للمغاربة « اللي ماعندو سيدو عندو لالاه »، لمن حاولوا على امتداد سنوات وعقود أن يكفروا المغاربة بمنطق المساواة القائم بيننا جميعا، لمن أدخلوا في ذهني وفي ذهنك أنهم أفضل منا وإن لم يكونوا يمتلكون أدنى دليل على هاته الأفضلية.
الحموشي ليس بطلا خارقا، ولا إنسانا ينتظر من الصحافة أن تمدحه كل يوم. الحموشي إبن هذا البلد، رضع حبه من الثدي الحر و آمن بأن عليه دورا يجب أن يقوم به مادام في موقعه وفي مسؤوليته. آمن بوطنه، بملكه بشعبه، واستمع للتعليمات واضحة لا تقبل أي جدال: لا تسامح مع من يتلاعبون بصحة المغاربة، لا تلاعب مع الأوبئة والجراثيم .
لذلك أطلق حملة أياديه النظيفة وهو يعرف أنها لن تترك كبيرا ولا نافذا إلا ومسته، لكنه لم يكترث.
لنقلها بكل صراحة الكون: هذا البلد يحتاج من أبنائه البررة دلائل خيرات و براهين انتماء وحجج غيرة على الوطن.
لايمكن أن نستكين لذلك المنطق القديم، العتيق، البليد الذي يقنعنا أن كل شيء بخير مادمت أنا بخير. هناك أصوات يجب أن تصلنا، وهناك شكاوى يجب أن تبلغ مسامعنا، وهناك معارك يجب أن نخوضها إذا كنا نؤمن بالمغرب أولا وبالمغرب آخرا.
أطلق الرجل معركته وهو يعرف خطورتها، لكنه بالمقابل يعرف أن عدد النزهاء في هذا الوطن أكبر بكثير من عدد الغشاشين، من عدد الفاسدين، من عدد أثرياء الأزمة والمتنفعين من أغنياء الحرب هؤلاء.
هذا الرجل نموذج للمغربي البسيط إبن الشعب الذي يترقى بفضل تميزه في مهنته، والذي يضع هذا التميز في خدمة هذا الوطن، وفي خدمة ضعفاء هذا الوطن، وضد من يتطاولون على هذا الوطن في كل هذه الميادين.
نعترف أن هاته المعركة تروقنا، لأنها تلبي جزءا كبيرا من مطالبنا، نحن الذين نؤمن بالمغرب وب « تمغربيت » ونعرف أن القدر ليس قدرالتسليم للفاسدين منا أن يكونوا في مقدمة كلالأشياء.
نعترف أننا نعرف خطورة المعركة على من يخوضها، لكننا متأكدون من انتصار المغرب والمغاربة فيها، ومتأكدون أنها تستحق أن تكون عنوان هاته الحرب التي يخوضها البلد ضد كورونا، وضد بقية أنواع الأوبئة والجراثيم التي تهدد وطننا والتي تعتبر أنها أكبر منا وأن في ازدهارها اتكاسة للبلاد، وأن في ضربها – مثلما يفعل الحموشي ورجاله اليوم -انتصارا لصورة هذا البلد الذي نريده خاليا من كل سوء…
أخيرا ولكي نتحدث بالوضوح الذي يميزنا عمن عدانا منذ القديم، في المعركة أو الحرب ضد الفساد لابد من رقم صعب يعتبر أن مصلحة الوطن أهم من كل الأشياء الأخرى، وأن تقديم الخدمة للبلاد التي صنعتنا جميعا هي أرفع وأسمى وأفضل مايمكن أن نقوم به في دنيانا الفانية. قلة قليلة من المسؤولين تتميز بهاته الخصلة، وتؤمن بهذا الاقتناع.
الحموشي واحد من هاته القلة. هو رقم صعب، ومعادلة أصعب في محاربة الفساد، ولقد رفع سقف التحدي عاليا منتظرا المساندة، ومتوقعا من الجميع الالتحاق به…ونتخيل، بل نتوقع من منطلق إيماننا بالمغرب الذي نعتقنه أنه لن يكون وحيدا في هاته الحرب التي تستحق كل الانخراط
*عن “أحداث. انفو”