العقلية التي تساس بها بعض المدن، تدعو، أكيدا، إلى العجب العجاب، خاصة حين لا تخضع أشغال التهيئة والترميم والتزيين بها لميزان الخصوصيات المميزة، لكل مدينة، ما يجعل فضاءاتها منفرة، مثيرة للاشمئزاز، حيث يغيب عن هذه الأشغال، جمال الذوق والتنسيق، ويطبعها تنافر ذميم فاضح في الألوان والزخارف، ويضربها “المسخ” من كل جانب.
مدينة طنجة مرّت من هذه المراحل، حيث حمل إليها بعض حكامها أنماط “للإصلاح” والتزيين، مما “شافوه” وأعجبوا به في مناطق حكموها قبل طنجة.
مثال ذلك الوالي الذي جاءنا من مراكش ليسرع باقتراح اللون الأصفر، لون الرمال، على الفضاءات الخارجية للمدينة، خاصة بساحة 9 أبريل، فلربما كان يهوى أن تذكره هذه الساحة بجامع الفنا، بل والأفظع من ذلك أن الولاية اقترحت اللون الأصفر لسيارات الأجرة، لولا تدخل “لوبيات الضغط” آنذاك، مدعومة بالصحافة المحلية، ليتم التخلي عن هذه الفكرة، التي لا تتناسب وخصوصيات مدينة تقف على بحرين، وتدير وجهها لأروبا، تستلهم من تنظيماتها البلدية وفضاءاتها ، وحس الجمال الذي يطبع مختلف بناياتها ومنشآتها الخارجية وحدائقها الرائعة الجمال التي ورثوها عنا واحتفظوا بها لمئات السنين، ونقلوا بعضها إلى طنجة، حيش شكل ولعشرات السنين فضاء مميزا يرتاح إليه المواطنون، في ساعات فراغهم. لندمرها نحن، أو ما بقي منها، باسم الإصلاح. !
وباسم الإصلاح أيضا تم اقتلاع أشجار اللرنج التي ألفناها وألفتنا على امتداد نصف قرن أو يزيد، أشجار كانت تناسب مناخ طنجة، ولذا صمدت كل هذه المدة قبل أن “تزورها” أو بعضها، معاول الإصلاح، حسب مفهومهم، وتستبدل بأشجار النخيل، نعم، النخيل “المهجن” الذي سرعان ما تضايق منها سكان الجوار، وضجر منها كل من شاهدها وهي تتمايل على ضربات رياح” الشرقي” العاتية، والتي يبدو أنها استنكرتها وقررت التخلص منها ، خاصة بعد أن أصابها بفيروس النخيل الذي ربما يكون قد انتقل إليها من واحات الجنوب، في غفلة من العزيز أخنوش !….
المحزن أن “المد النخيلي” إلى طنجة، يندرج في مخطط إصلاح لم يستشر بشأنه سكان المدينة ، ولو من باب النصيحة لله، بل إنه اتخذ وطرح للتنفيذ، لتزيين المدينة ولو أن لسكانها تجربة في هذا الشأن ورأيا قد يكون مفيدا للجميع,
وها نحن نجد أنفسنا أمام “نخيل” دخيل ترفضه الأرض ويستهجنه السكان الذين استأنسوا، زمنا بأشجار اللرنج خاصة حين تقصّ أشجارها على شكل مكعبات تأخذ شكل مظلات متناسقة شكلا ومنظرا.
بقي أن أشير إلى مفارقة عجيبة أخرى وهى أنهم اقتطعوا مساحات من رمال الشاطئ البلدي، بجوانب المارينا وغطوها بأشجار الأوكاليبتوس وغرسوا النخيل في البوليفار…. إضافة إلى أنهم “أنبتوا” “مناخير ثلاثة” من الأسمنت المسلح ، وسط المارينا لتحجب رؤية ما تبقى من البحر، عن المواطنين….
إنه زمن “البزنسة” المتوحشة…باسم الإصلاح ! !”
ع.ك