تعرف مدينة طنجة تحولات عميقة على مستوى البنيات التحتية في المجال الثقافي، وعلى الخصوص التحسينات الأخيرة التي عرفها المبنى التاريخي “رنشهاوسن” المصنف ضمن قائمة التراث اللامادي للمدينة، مما يدعونا إلى استحضار مفهوم التشارك وإعطاء البعد المحلي مكانة أساسية والتفكير في كيفية جعله من وسائل تجاوز أعطاب وعلل كثيرة أصابت فضاء “رنشهاوسن” التاريخي.
وإسهاما من جمعية سكان وتجار “رنشهاوسن” للتنمية البشرية في الرفع من مكانة الثقافة والمثقفين بالمنطقة من أجل الارتقاء بها، بالاعتماد أساسا على التحسيس بدور القراءة الحرة بين عموم السكان ورواد ساحتها والمقاهي والمطاعم المتواجدة بفضاءها على وجه الخصوص، إرتأى المكتب المسير للجمعية ضرورة التفكير في إقامة مشاريع ثقافية تدعم وتخدم هذا الهدف.
وتتمثل هذه المشاريع الثقافية في الإستفادة من الفضاءات الواقعة بساحات “رنشهاوسن” بإقامة مكتبة مفتوحة بشكل دائم في وجه الرواد ببوابة طراسة “رنشهاوسن”.
لماذا هذه المشاريع الثقافية بفضاء “رنشهاوسن”؟
هناك أكثر من سبب يستدعي التفكير في إقامة مثل هذه المبادرات الثقافية منها:
1/بشكل عام ، عزوف الناس عن القراءة خاصة الشباب، حيث جعلت ثورة المعلومات العالم قرية صغيرة، وأسهمت في إبعاد الناس عن الكتاب، ذلك أن التطور الهائل أدى إلى قتل الرغبة في القراءة، والاستعاضة عنها بالمشاهدة الحسية والبصرية والصوتية.
2/فضاء “رنشهاوسن” تتوفر فيه الشروط المساعدة لإنجاح مثل هذه المبادرات الثقافية، منها اتساع الفضاء وكثرة المرتادين وتوفره على بنية تحتية مساعدة ذات الأبعاد الرمزية والتاريخية والمعمارية الكلاسيكية والكولونيالية.
3/إحداث فضاءات للقراءة والمطالعة الحرة بفضاءات “رنشهاوسن” من شأنه أن يملأ فراغا كبيرا في عادات المرتادين والزائرين، حيث تطبعت المنطقة منذ أن كانت مهملة بعادات سيئة لا تليق بشبابنا، منها كثرة ارتياد المنطقة من طرف المشردين من مختلف الأعمار، والذين يتبولون ويتغوطون بالأجزاء المشتركة للمبنى التاريخي “رنشهاوسن”، فضلا عن ملء هذا الفراغ بما لا يفيد ولا يتناسب وطبيعة ووقار هذا المبنى وتاريخه كما يحدث بجوار المقاهي والمطاعم، حيث يعم المكان الصراخ وتبادل العنف والتسول وكثرة تردد المشردين. ولم يعد فضاء للهدوء والاسترخاء والسكينة والتأمل، خاصة وأن المكان مصنف ضمن قائمة المآثر التاريخية والتراثية الأساسية لمدينة طنجة.
4/ توفير فضاءات للقراءة والمطالعة الحرة من شأنه أن يضفي على المكان نوعا من الإحترام والوقار، وذلك بتعزيز هواية متعة القراءة والمطالعة الحرة لدى الشباب واليافعين والأطفال والناشئة بصفة عامة، بالإضافة إلى أن المنطقة مرشحة لاستقبال عدد كبير من السياح لقربها من ميناء طنجة الترفيهي والمدينة العتيقة.
ما هي الأنشطة الثقافية والفنية والإبداعية المقترحة بهذه الفضاءات؟:
إحداث مكتبة ببوابة طراسة “رنتشهاوسن”، حيث يوجد هناك مكان فارغ لا يستغله أي أحد من السكان والتجار، ويدخل ضمن الأجزاء المشتركة لمبنى “رنشهاوسن”، وسيخصص لقراءة كتب الأدب العربي والعالمي وأدب الطفل، كما سيقدم خدمة القراءة للجميع وتوفير متعة المطالعة الحرة عن قرب، سواء عن طريق تمكين الرواد والقراء من كتب المطالعة داخل طراسة “رنشهاوسن” أو إعارة الكتب للراغبين وتبادلها.
2/النادي الثقافي داخل الفضاء بجوار مقاهي ساحة المسيرة الخضراء، وسيخصص هذا الفضاء بعد تأهيله بما يناسبه لاستضافة مكتبة تختص بتاريخ المدينة وأدب الرحلة، وتضم التراث المكتوب والشفهي المتعلق بالمدينة العتيقة وشخصية الرحالة الطنجي الكبير ابن بطوطة، وكل ما كتب عن طنجة وعن هذه الشخصية الطنجية الكبيرة وغيرها، وستمكن هذه المكتبة روادها والزوار من المطالعة الحرة والبحث في تاريخ المدينة وشخصياتها وأدب الرحلة، كما أنه من شأن إقامة هذه الفضاءات الثقافية أن يعزز المنتوج السياحي المحترم بالمنطقة في جانبه الثقافي والفكري، خصوصا وأن الموقع لا يبعد كثيرا عن الميناء الترفيهي وعن مدخل المدينة العتيقة من جهة أسوار البرتغاليين ودار الدباغ وفندق كونتينتال ودار البارود إلى القصبة وموقعي المقابر الفينيقية والرومانية ومرتفع مرشان.
كما أن تعزيز هذه المرافق الثقافية وتقوية إشعاعها سيكون بتنفيذ برامج أنشطة موازية داخل فضاءاتها، تشمل ورشات في تقنيات القراءة والتثقيف الجماعي لفائدة التلاميذ والطلبة ومعارض فنية تشكيلية وعروضا في الموسيقى والمسرح المفتوح والحكي وقراءات شعرية وقراءات في إنتاجات المبدعين المحليين في مجال الفكر والثقافة والتراث المحلي وتاريخ المدينة وشخصياتها.
المهام والمسؤوليات:
وفيما يتعلق بإنجاز هذه المبادرة وتنفيذها وتتبعها، فسيتم تقاسم الأدوار والمهام والمسؤوليات بين الشركاء الفاعلين، كلا حسب اختصاصه ودوره، سواء تعلق الأمر بالولاية أو الجماعة الحضرية أو المندوبية الجهوية للمحافظة على التراث أو مندوبية وزارة الثقافة أو شركة تسيير ميناء طنجة الترفيهي ومقاطعة طنجة المدينة وجمعية “رنشهاوسن”، وهيئة المهندسين المعماريين والجمعيات الشريكة، على أن يتم تحديد ذلك بشكل دقيق بعد الموافقة المبدئية وإعداد الدراسات الأولية، وسيكون على جمعية “رنشهاوسن” صاحبة المشروع، مسؤولية التدبير اليومي للفضاءين وتنسيق برامج التنشيط العام في هذه الفضاءات مع باقي الشركاء.