مع مطلع كل سنة جديدة، يطلعُ علينا رئيس الحكومة بتعليمات جديدة، تضع أمام الوزراء ومختلف القطاعات، الإطار العام الذي يجب عليهم التقيد به والعمل بداخله، من أجل إعداد وتنفيذ الميزانية الجديدة.
وككل عام، يضعُ رئيس الحكومة وزراءه أمام ضرورة “ترشيد” النفقات وعقلنتها، بمعنى التحكم في الموارد المالية، دون إسراف أو تبذير، مع الأخذ بعين الاعتبار “الإكراهات“ المالية، داخليا وخارجيا، من عام إلى عام.
ميزانيةُ السنة الحالية، ارتبطت، بداية، بإكراهات “الحوار الاجتماعي” “المرعب“، والدعم المالي للجماعات المحلية وللسياسات الاجتماعية، ومواجهة عجز الميزانية، والوصول إلى نمو اقتصادي بنسبة معينة، قبل أن تعصف “الجائحة” بكل التوازنات المالية والاقتصادية المتوقعة، وتفرض واقعا جديدا على الحكومة وعلى الشعب الذي انبرت من بين صفوفه أصواتٌ مأذونة، تندد بعجز الحكومة على مواجهة الجائحة بالنجاعة المطلوبة.
وبداية الشهر الجاري، طلع العثماني بمنشور جديد، موجه للحكومة بكل مكوناتها ومؤسساتها ومنادبها يطلب منهم “ترشيد النفقات خاصة الموجهة للدراسات التي يأمر بها الوزراء مكاتب متخصصة، تبتلع ميزانيات ضخمة من أرزاق عباد الله، كثيرا ما تبقى على الرفوف دون أن تتم الاستفادة منها، إن كان بها ما يفيد حقا !.
ومؤخرا أيضا دعا العثماني وزراء حكومته إلى تحيين المقترحات المتعلقة ببرمجة الميزانية للسنوات الثلاث المقبلة، مع الأخذ بالاعتبار ظروف وإكراهات الجائحة.
وهكذا نلاحظ أن العثماني “يكرر نفسه” كل عام جديد، وميزانية جديدة، كما فعل سابقوه، للمطالبة بترشيد النفقات والتحكم فيها والحرص على عدم صرف المال العام فيما لا يفيد خدمة الشأن العام ومصالح المواطنينن وضبط الهوامش المالية المتاحة، مواجعة العجز المتفاقم في الميزانية، والاقتصار على النفقات الضرورية والملحة وإعادة النظر في طريقة تدبير الاستثمار..وهو سلوك كان يحب أن يعتبر “عاديا” وغير موجب “للتطكير به” في حكومة يتسم أعضاؤها بروح الوطنية والاستقامة والنزاهة الأخلاقية ويعتبرون أنفسهم ” “مؤتمنين” على حقوق الشعب ومقدراته .
ويبقى المطلب المتناقض مع الواقع، هو دعوة الرئيس، في كل مرة، و منذ أسبوعين فقط، في منشور 14/2020 إلى “عقلنة المقترحات المرتبطة بإحداث وظائف جديدة وحصرها في الوظائف الضرورية . والحال أن الصحف الوطنية تطلع باستمرار بأخبار عن توظيفات “بالجملة” في دواوين بعض وزراء البيجيدي، برواتب مرتفعة جدا، قال بعض المتتبعين، إن الإمر تدبيرٌ “احتياطي” بالنظر إلى ما سوف تسفر عنه انتخابات 2021، التي لا تبشر بخير لهذا الحزب الذي أطلق، مؤخرا، “فزاعة” تقليص مشاركته في الانتخابات المقبلة، ،بعد أن سجل حزب بنكيران، تراجعا في بعض الانتخابات الجزئية، لفائدة غريميه الأحرار والبام. ولو أنه بدأت ترتسم في الأفق، بوادر تحالف “منفعي” بين الحزبين ، بالرغم من تعارض توجهاتهما ومقاصدهما باستثناء الفوز بالانتخابات المقبلة والوصول إلى الحكم…من أجل الحكم،……. كما يبدو !!!..
ومعلوم أن الأصالة والمعاصرة تحرك، مؤخرا، في اتجاه العدالة والتنمية بطريقة إيجابية ومطمئنة ، وواعدة، ب “تطبيع” شامل بين الحزبين، يعد أن صدرت، مؤخرا، تصريحات من عبد اللطيف وهبي اعتبرت مهادنة في اتجاه البيجيدي. إلا أن بعض المتتبعين شككوا في “سلامة” موقف البام ويعتبرون أن تقارب الحزبين يفسره رغبتهما معا في احتواء تطلع الأحرار، وهو حزب ذو ثقل سياسي كبير في الخارطة السياسية الراهنة، إلى اكتساح الانتخابات التشريعية المقبلة، والفوز بقيادة الحكومة، خاصة وأن خصومة الأصالة والأحرار خرجت للعلن عبر التراشق بتصريحات مثيرة من الجانبين.
عزيز كنوني