إنها فاجعة الفواجع، تلك التي ألمت بنا، على حين غفلة، فاختطفت من بيننا براءة طفولية بالصورة البشعة التي كانت عليها ، والتي لم تترك أحدا منا، خارج الشعور العام بالانفعال والسخط والغضب.
جوانبُ من الحادثة الحزينة المؤلمة صارت معروفة لدى العموم، وجوانب أخرى تنتظر مزيدا من التوضيح، وتبقى الحقيقة المفجعة، كابوسا مؤلما جاثما على صدورنا، حتى بعد أن تتجلى الحقيقة كاملة.
عدنان خرج ولم يعد، اختطفته يدٌ دنسٌ، بنوايا قذرة وَضرة، ونزعة إجرامية، وكم من مهووس مكبوت هجرع يعيش بيننا، علنا، دون أن ندرك كنهه ولا حقيقته ولا خطورته على نفسه وغيره والمجتمع، قد تكون تلك أيضا من “استثناءاتنا” العجيبة !.
تزاحمت الأقوال حول الحادثة الإجرامية، ظروفها وملابساتها و“أبطالها” الأرذال، الأنذال، لتصمد حقيقة أولى وهي اغتيال عدنان ودفنه بجوار بيت أسرته.
كيف وقع الاهتداء إلى هذه الحقيقة بعد أسبوع من اختفاء الطفل، وأسبوع من البحث والمعاناة من طرف أسرته وجيرانه، وتعاطف شامل من طرف كل سكان الحي والمدينة ؟ قيل إنه “ميساج” على الفايسبوك“، ليتضح، فيما بعد، بعض “التقصير” في معالجة القضية، وتأخر في مراجعة كاميرا البناية المقابلة التي أظهرت بوضوح، جانبا من جوانب الجريمة.
الحقيقةُ الكاملة للجريمة لم تكشف بعد، ولازال الغموض يلف بعض جوانبها التي قد تأتي بمفاجآت جديدة . فيما بعد.
وبينما البحث يسير في الاتجاه الصحيح، وغضب المواطنين يزداد حدة وشدة وقوة، نظرا لفظاعة الجريمة التي أودت بحياة طفل برئ، طلع المدعو أحمد عصيد، بموضوع جانبي، أثار ردود فعل غاضبة من عامة الشعب، باستثناء نفر ممن يدعون الانتساب لحقوق الأنسان، الذين سارعوا إلى دعم أطروحة عصيد المعاكسة لمطالب عامة الشعب بإعدام المجرم الذي اختطف، واغتصب، وعذب، وأزهق روح طفل برئ بدم بارد.، دون الشعور بالذنب أو إحساس بفظاعة الجرم.
ما أغاظ كثيرا ممن اطلعوا على رأي عصيد هو قوله “إن المطالبين بإعدام قاتل الطفل عدنان لا يقلون وحشية وعنفا عن الجاني، وأن هذه المطالب (بإعام الجاني) تعبر عن مقدار الغيظ والعنف داخل نفوس أصحاب هذه الادعاءات” !!!”.
ولعلم عصيد، وكل من هم على شاكلته، فإن المُطالب بالقصاص، ليس وحشا ، وأن “الغيظ” أمر طبيعي في حالة الظلم والقهر التي قد يتعرض لها الأنسان في حياته، فأحرى أن يشهد على فاجعة مثل تلك التي قد يعتبرها عصيد “ملفا” قضائيا عاديا، من الملفات التي تعالج وفق أحكام القانون الجنائي الوضعي، الذي يطالب الشعب، ومن بينه عدد ممن يدعون الاشتغال على حقوق الانسان، بإصلاحه ومراجعته ليتلاءم مع أوضاع الجريمة الحالية المتجددة، المتطورة.
التعبيرُ عن رأي أو موقف من قضية ما، من القضايا التي تشغل بال المواطنين، حقّ من حقوق أي مواطن مسؤول، ولكن ليس من حق أيّ مواطن أن يمارس “لعبة” القذف والسب والإهانة في حق أصحاب الرأي الآخر، وهو ما سقط فيه عصيد وحماته، من المنبهرين بوثنيته وعدائه لكل ما يرمز للغة العربية والإسلام، حين اعتبر المطالبين بإعدام معدم الطفل عدنان، بأنهم “أكثر وحشية وعنفا من الجاني نفسه“ !
الرافضون لإعدام معدم عدنان ينطلقون من مبدأ حماية الحق في الحياة الذي هو حق أساسي من حقوق الإنسان. مضبوط، ولكن، أو لم يكن لعدنان حقه في حماية حياته وصيانة كرامته ؟ أو لم يكن أحق بحماية حقه في الحياة، وقد واجه “غولا” بشريا أجهز عليه، على ضعف بنيته وقلة حيلته، ليغتصبه ويعذبه ويقتله ويرميه في حفرة قرب بين أهله. هل من حماية حقوق الأنسان أن نحمي القاتل من قصاص القتل، ونكتفي بالترحم على المقتول والدعوة له بالرحمة والمغفرة !. وإلا فلم أوصت كل الشرائع بالقصاص، وفي مقدمتها الإسلام الذي حرم “سفك الدماء الحرام” وشرع قصاص “النفس بالنفس” وجعل للبشرية في “القصاص حياة” !…..
القصاص في الإسلام يكتسي طابع الزجر والردع في آن واحد. ولعل في إعدام القتلة وسفاكي الدماء، ضمن “الحدود” الشرعية، زجرٌ وردعٌ في نفس الوقت نظرا لخطورة هذا العقاب على المجرمين.
إن في إصرار مؤيدي الحق في الحياة لضحايا جرائم الدم، وليس لحماية المجرمين من مقصلة الإعدام، كما يسعى إلى ذلك بعض الأغوياء، تحية للحياة وإجلالا لواهب الحياة سبحانه، الذي جعل من “حفظ الحياة” واحدة من الضروريات الشرعية الخمس: الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل.
عزيز كنوني