كان للرحيل المفاجئ للدكتور مانويل أوغوسط بيتشيرا، وقع الصدمة بالنسبة لي كما هو الأمر بالنسبة لكل من عرفوه أو اقتربوا منه، إذ أن الرجل كان معروفا بدماثة أخلاقه، وتعامله مع الجميع بمنتهى الاحترام والاعتبار فضلا عن موقعه المعتبر على كل المستويات السياسية والاجتماعية والأكاديمية في بلده، والمنظمات الدولية العاملة في مجالات التمية البشرية وحقوق الانسان بالعالم.
لقد أسعدني الحظ بالتعرف عليه هنا في طنجة، بداية سبعينات القرن الماضي حين حضر لاستقبال المشاركين البرتغاليين في “رالي البوغاز” المنظم من نادي الزوارق بطنجة،وأجريت معه حوارا لفائدة جريدة “لو مالتان” التي كنت مراسلا جهويا لها بالشمال، واستمرت صلاتي به إلى أن عُينت مديرا للمكتب الدولي لوكالة انباء المغرب العربي بالبرتغال حيث ازدادت صلتي به ، مهنيا وإنسانيا، قوة ومتانة، إلى يوم وفاته.
الراحل كان رجلا متعدد الاهتمامات، ولكن فكره كان منصبا علي مشروع مركزي بالنسبة إليه: تعزيز علاقات لتعاون بين البرتغال والعالم العربي.
ولهذه الغاية، أنشأ سنة 1985 المعهد البرتغالي العربي للتعاون الذي التأمت فيه مجموعة رائدة من السياسيين والأكاديميين والباحثين والخبراء وأساتذة الجامعات والإعلاميين، وكان لهذا المعهد الفضل في شرح عدالة القضايا العربية، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية والقضية الفلسطينية حيث كانت تجمعه علاقات متينة مع الراحل ياسر عرفات، كما أنه كان يحظى باحترام واعتبار جل القادة العرب، ملوكا ورؤساء ، تشهد على ذلك الصور العديدة التي تجمعه بالزعماء العرب بالمشرق والمغرب، التي تزين جذران مكتبه بشارع الجمهورية الرئيسي بلشبونة.
لقد كان الراحل مانويل أوغوست بيتشيرا ، خير سفير للعالم العربي بالبرتغال والدول الناطقة بالبرتغالية الني كان أيضا يشرف على برامج تعاون وتكامل معها.
وكان شديد الحرص على تتبع تطور قضايا التنمية والديمقراطية وحقوق الانسان وحقوق المرأة بالعالم العربي، ويساهم في تصحيح المفاهيم الخاطئة التي تحملها بعض اللوبيات ، وذلك عبر ندوات صحافية ولقاءات ومحاضرات يحتضنها مركز قصر “الكريميو” الأدبي بلشبونة الذي أنشئ سنة 1846 بإذن مكتوب من طرف الملكة دونا ماريا الثانية (1826- 1834) حيث تنظم مختلف أنشطة ولقاءات المعهد الذي خطط منذ انطلاقته لفتح مسارات جديدة للتعاون والصداقة مع العالم العربي وكوّن، لتلك الغاية، لجان تشرف على قطاعات الاقتصاد والثقافة والعلوم والتقنيات الجديدة والسياحة والشؤون الاجتماعية والإعلام والتواصل وغيرها، تحت إدارة وإرشاد المؤسس مانويل بيتشيرا الذي يعتبر المحرك الرئيسي لأنشطة المعهد، إلى يوم وفاته.
إن حبّه الكبير للمغرب وانخراطه المبكر في عملية توضيح المرتكزات الأساس لقضية الصحراء المغربية، نظرا لاطلاعه الواسع على ملف الاستعمار الفرنسي والاسباني للمغرب، حيث إن مواقفه جلب عليه الكثير من المشاكل في علاقات المعهد مع بعض الشركاء، ولكنه استمر إلى آخر لحظة وفيا لمبادئه المنصفة لقضايا الحق والعدل والإنصاف بالنسبة للمغرب ولسائر الأطراف العربية داخل المعهد.
هذه رسالة وفاء وتقدير واحترام لروح الفقيد العزيز الذي قد يستحيل وجود خليفة له على رأس المعهد بكفاءته و حماسه وتفاؤله الدائم، وديبلوماسيته في التعامل مع القضايا الصعبة، سواء على مستوى الأفراد أو الدول،
قال لي ذات يوم، يقولون عني إنني عربي جيّد ، والحق أنني في الحقيقة برتغالي جيد، لأن البرتغالي الجيد هو الذي يبحث عن الخير لبلاده والعمل على أن تهيمن الصداقة والصفاء والأمن في علاقة بلاده مع سائر شعوب العالم
عزيز كنوني
*************************
هذه رسالة مواساة وجهتها للمعهد البرتغالي العربي للتعاون بلشبونة بمناسبة وفاة رئيسه الراحل مانويل أغوست بيتشيرا:
لقد كان للرحيل المفاجئ لصديقنا الدكتور مانويل أوغوست بيشيرّا الأثر العميق في جميع من عرفوه أو اقتربوا منه , فلقد كان رجلا فاضلا محبوبا ومقدّرا من الجميع.
وسوف يضل الراحل العزيز، بالنسبة لي، صديقا ومرشدا ورمزا
كما أن رحيله المفاجئ، سوف يحرك الكثير من مشاعر الحزن والأسى سمواء بالبرنغال أو بالعالم العربي حيث كانت تربطه علاقات صداقة
مع عدد من القادة العرب وأيضا مع العديد من رواد الفكر والثقافة والاقتصاد العرب. حيث نه كان يتمتع باحترام وتقدير من كافة الأوساط الفكرية والقافية العربية
وإحساسا منه بضعف علاقات التعاون بين بلاده والعالم العربي رغم وجود فرص هائلة في كل مجالات التعاون، ونظرا أيضا للروابط التاريخية التي تجمع البرتغال بالعالم العربي، فقد أنشا، بمعية كوكبة من رجال السياسة والفكر والاقتصاد سنة 1985، المعهد البرتغالي العربي للتعاون الذي استمر على قيادته إلي ليلة وفاته، فلقد جعل من قضية الصداقة والتعاون البرتغالي العربي سببا وغاية لوجوده وحرص، بإمكانيات ذاتية، على دعم وتطوير دينامية التعاون البرتغالي العربي المتعدد الاهتمامات ،
أعلم أن المعهد العربي البرتغالي للتعاون سوف يتعافى بعد هذه الخسارة الكبيرة التي أصابته، ولكنه لن يكون أبدا كما كان من قبل، لأن الراحل بيتشسرا، ببساطة، لا يمكن تعويضه.