تتخذ السلطات الإسبانية احتياطات خاصة، كلما تعلق الأمرُ بأحداث “رسمية” تتعلق بشكل مباشر أو غير مباشر، بمدينتي سبتة ومليلية، مدينتان محتلّتان، من “مُخلّفات” “الإمبراطورية الاستعمارية الإسبانية“.
و لعل “الخوف من المغرب“، كما قالت جريدة “إيل كونفيدينسيال” الإسبانية، هو الذي أخر زيارة الملك السابق خوان كارلوس الأول وعقيلته إلى المدينتين 32 سنة بعد تنصيبهما ملكين على إسبانيا.
وفي هذا الجوّ أيضا، تم “إحباط” زيارة الملك فيليب السادس إلى سبتة ومليلية التي كان مبرمجة في إطار “جولة ملكية” عبر بعض المدن الإسبانية.!
لماذا إذا كل تلك الترتيبات والاحتياطات والمخاوف، ما دامت مدينتا سبتة ومليلية ”جزءا من التراب الاسباني كما يدعي ذلك الأسبان ؟
أكيدا، لأسباب جغرافية وتاريخية وسياسية وإثنية. فالمدينتان تقعان خارج أراضي إسبانيا “القارية“. كما أنهما والجزر الواقعة على ساحليهما توجدان في قارة أخرى: إفريقيا،وليست أوروبا، وأخيرًا ، لأن المدينتين “اغتُصبتا” من طرف إسبانيا ووقعتا تحت احتلالها في العصور الوسطى حين كان الأسبان ومعهم ممالك أوروبية أخرى، يسعون إلى الحؤول دون عودة العرب والمغاربة بوجه خاص، إلى الأندلس وشبه الجزيرة الإيبيرية، انطلاقا من المغرب، حاملين راية الإسلام والجهاد (!)…..
لم تكن إسبانيا وحدها “متورطة” في هذه المغامرة، بل شاركتها طموحاتها التوسعية الاستعمارية عروش اوروبية أخرى ،وبطبيعة الحال الكنيسة الكاثوليكية والفاتيكان.
إلا أن إسبانيا لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تدعي أنها “انتزعت” سبتة مباشرة من سيادة المغرب. المدينة كانت توجد تحت الاحتلال البرتغالي منذ العام 1415، ولم تكن إسبانيا موجودة كدولة في ذلك التاريخ، حيث إن ميلاد الدولة الاسبانية لم يتحصل إلى سنة 1469، عبر اتحاد سلالتي قشتالة وأراغون،
ومعلوم أن فيليب الثاني ملك إسبانيا الذي لم يكن يُخفي مطامعه في البرتغال، استغل النصر المدوي للمغرب على البرتغال ، في معركة وادي المخازن عام 1578 وموت ملك البرتغال دوم سيباستيان ، ليستوليَ على أراضي هذا البلد، ويضمها إلى مملكته، ويعلن نفسه ملكا على البرتغال .
وهكذا شرعت إسبانيا في فرض سلسلة من المعاهدات على البرتغال ، ينتهي بها الأمر إلى إجبار مملكة البرتغال “التابعة” على التخلي عن كافة “ممتلكاتها” الاستعمارية، خاصة معاهدة لشبونة سنة 1668، التي فرضت على البرتغال الاعتراف رسميا بتبعية سبتة لإسبانيا، مقابل انفصال المملكتين واسترجاع البرتغال لسيادته واستقلاله.
وكانت اسبانيا قد اعترفت في معاهدة “تورديسلاس الإسبانية ـ البرتغالية (1494) “بسيادة” البرتغال على سبتة كما اعترفت في معاهدة “سينترا” في عام 1509 ان لا حقوقَ لها في المستعمرات البرتغالية على الساحل المغربي من سبتة إلى بوجدور.
وغني عن القول أن المغرب ظل معبأً لقرون من أجل تحرير أراضيه المحتلة، على الساحلين المتوسطي والأطلسي، حيث إن هجمات مولاي إسماعيل (1672-1727) ومحاصراته المستمرة للتحصينات الإسبانية والبرتغالية والبريطانية ، لخير دليل على ذلك.
وتجدر الإشارة ُإلى الأب الروحي للغة البرتغالية والأدب البرتغالي والقومية البرتغالية ، لويس دي كاموويش فقدَ إحدى عينيه خلال حملة عسكرية برتغالية على سبتة ( لوزياداش) حيث أصابته “خرتوشة” من “مكحلة” قنّاص مغربي كان يترصّده. ولكن ذلك لم يمنعه من أن يرى مدينة سبتة،” بكامل الوضوح“، مدينة مغربية مزدهرة بعمرانها الجميل ومآذنها العالية وأسواقها العامرة وتجارتها الرائجة ومينائها التجاري الشهير.
هذه شذراتٌ من تاريخ سبتة، تُبرز بوضوح “زيف” التصريحات والادعاءات الكاذبة لمن لا زال يتملكهم “الحنين” إلى الماضي، إلى الأمبريالية الإسبانية ، ولا زالوا يحلمون بـ المواقع “المحتلة“، والمستعمرات، و “الممتلكات” أو حتى “بأراضي ما وراء البحار“ـ من بقايا الكتائب الإسبانية ، (الفالانخي – 1933 ) وهي منظمة فاشية ، اندمجت في نظام الجنرال فرانكو على أساس الجمع بين العقيدة الوطنية و مبادئ “لا ريكونكيستا” التي تعتبر أساس قيام الدولة الإسبانية لتصبح منظمة “الفالانخي الإسبانية” الدرع السياسي لنظام فرانكو الديكتاتوري.
ولليوم، فإن إسبانيا “الحديثة” لم تستطع التخلص، كما يبدو، من عقيدة “الفلانج” اليمينية المتطرفة، وهو ما يفرض عليها التشبث بعقلية الاستعمار التي تُذكرنا بعهد، تم تجاوزه، وإلى الأبد، على الأقل بالنسبة للعالم الحر!!!…….
عزيز كنوني