رُزئ المجمع الثقافي والإعلامي المغربي، بفقدان أحد كبار الإعلاميين والأدباء والفنانين المغاربة، الراحل محمد أديب السلاوي الذي ودّعنا، الأسبوع الماضي، في صمت العُظماء، وكبرياء الحُكماء، بعد أ ن لم يستطع قهرَ المرض الذي كان يعاني منه بأنفة وعزُة نفس وإباء…. ولسنوات. ودّعنا ولسان حاله يردد قولة الشاعر الحوزي القروي (1897 – 1984):
بعدت همتي فعفت كنوز الأرض لما عرفت قيمة كنزي
لا أبالي، شبعتُ أم جعتُ والفن شرابي وعزّة النفس خبزي
الراحل محمد أديب السلاوي، الكاتب والباحث والإعلامي والفنان والإنسان ، ساهم، بقوّة، في خلق إعلام جديد ومُتعدد، يترجم توق الأدباء المغاربة إلى نهضة معرفية شاملة، قائمة على حرية الرأي والتعبير والإبداع، بعيدا عن جوّ الاختناق والقهر والفساد.
عطاءاتٌ زاخرة، تلك التي زوّد بها الراحل السلاوي الخزانة المغربية والعربية، والتي تُبرز اتّساع معرفته الموسوعية، واهتماماته المتعددة بمجالات الثقافة والفنون والفكر، بين الصحافة والسياسة والتأليف والبحث والنقد والمسرح والتشكيل وفي جميع هذه المجالات وغيرها، له تأليفُ ودراساتٌ وبحوث ومقالات صحافية، و محاضرات شارك بها داخل وخارج المغرب، تلبية لدعوات من كبريات المنظمات العلمية والأندية الثقافية والصحف الواسعة الانتشار بالمشرق العربي، خاصة، كما أنه تحمل مسؤوليات ثقافية وعلمية في منظمات دولية ومصالح وزارية مغربية.
لا أريد أن أسرد هنا قائمة أهم الأعمال الأدبية والعلمية والفنية للراحل محمد أديب السلاوي، فقد سبقتني إلى ذلك منابر إعلامية عديدة، وطنية ودولية ، ولكني أريد أن أتوقف وقفة تأمل في حياة الراحل وكيف أنه أشعّ على المغرب طيلة نصف قرن، فكرا وثقافة وإعلاما، وخدم بلاده عربيا ودوليا، في مجالات تفرض الكثير من المعرفة والحس الوطني والكفاءة العلمية والتضحية والشجاعة والنزاهة الفكرية…. والثبات، وحمل الثقافة المغربية إلى المحافل الثقافية العربية عبر مقالاته القيمة وأعماله الرصينة التي نشرها في كبريات الصحف المغربية والعربية والدولية.
ولقد آلمني خُلوّ سيرة الراحل الكبير المنشورة في مؤلفه الشيق، (أوراقٌ خارج الأقواس 2014) من أي إشارة إلى حفل تكريم أقيم على شرفه، في حياته، سواء من الجهات الرسمية أو من الهيئات التي تعنى بالثقافة بمعناها الشامل، بينما احتفت به ثلاث مؤسسات عربية، إشادة بنبوغه وتنويها بإنتاجه الفكري والثقافي الذي أغنى به الخزانة العربية وخدم به اللغة العربية، وهذا أمر مهم في الظرفية الحالية.
وهكذا حصل محمد أديب السلاوي على الميدالية الذهبية عن أبحاثه في الفن التشكيلي المغربي من البنيالي العالمي للفنون التشكيلية بالقاهرة، سنة 1983، والجائزة الكبرى للكتاب عن التشكيل المغربي بين التراث والمعاصرة من معرض الكتاب بدمشق سنة 1984، وحصل أيضا على الدرع الثقافي لجمهورية مصر العربية من المركز الثقافي المصري بالرباط. سنة 2012، بينما سجل في سيرته الإعلامية، كما سماها رحمه الله، حصوله على جائزة الفن التشكيلي من “ربيع سوس التشكيلي سنة 2013، وأضافت بعض الأخبار إلى هذه الجوائز جائزة الصحافة بالمغرب لسنة 2016.
وللأسف الشديد، غابت عن لائحة التكريم المحافل الثقافية المغربية والهيئات المنظمة لمهرجانات الملايير والجمعيات الفنية الوطنية والنقابات العاملة في الميدان الفني والثقافي، وطبعا وزارة الثقافة المخاطَب الرئيسي، نظريا، للمثقفين المغاربة. وطبعا كنا نتمنى أن يحظى الراحل الأديب، في حياته، على وسام الاستحقاق الفكري
وما يحزّ في النفس، أن محمد أديب السلاوي، على شهرته الأدبية الواسعة، وطنيا وعربيا، والخدمات الجليلة التي قدمها للثقافة المغربية، اضطره الفقرُ والمرضُ بعد أن يئس من “التفاتة” من طرف حكومة بلده، إلى بيع أثاث منزله وكتبه ولوحاته ومكتبته، بباب منزله بمدينة سلا ، في واضحة النهار، دون أن يثير ذلك انتباه أو فضول أعوان السلطة المحلية حتى يمنعوا هذا المنكر، ويردوا الاعتبار إلى رجل فذّ خدم المغرب وصورة المغرب وثقافة المغرب وكان منتهى غايته، بعد أن قطع أشواطا زاخرة بالإنتاج الفكري والقافي والفني في حياته الأدبية، أن يحصل على هبة في شكل تقاعد بسيط، فقط، من أجل مواجهة صروف الدهر، وتوفير مصاريف العلاج المكلف من مرض عضال كان يقاسي منه في صمت ولكن في إباء وكبرياء .
وحين اشتد به المرض وتفاقم عوزه وفاقته، تخلّص من كل ما تبقى له من متاع وباع مسكنه ورحل إلى طنجة لتكون آخر محطة في رحلة الحياة وليحل ضيفا على كوكبة الأدباء والشعراء الذين عاشوا مبدعين وماتوا فقراء معدومين أمثال الجاحظ والعقاد والرافعي والتوحيدي والبياتي والإشبيلي والفراهيدي وغيرهم كثيرون ممن اقتنعوا، بعد فوات الأوان أن “حرفة الأدب تورّث الفقر” أو كما قال الكاتب البريطاني ويليام ميكبيس ثاكريز (1811-1863) : “الأدب ليس تجارة ولا مهنة، ولكنه الحظ الأنكد” ……!!!
رحم الله فقيد الأدب المغربي الراحل الأستاذ محمد أديب والسلاوي وأثابه على ما قدم لبلده من خير عميم وهدى المسؤولين المغاربة إلى احتضان عائلته الصغيرة كجزء من دين عليهم للراحل الغزيز.
عزيز كنّوني