جريدة طنجة ـ عزيز الكنوني
عجيب أمر الحكومة، وكأنها تخلصت من مشاكل البلاد، بالكامل، وأوجدت الحلول الملائمة للقضايا العالقة العائقة لنمو البلاد ، واهتدت إلى فك معضلات التعليم والصحة والشغل والسكن و “القفة” اليومية المؤرقة لملايين المواطنين،…… وكأنها أرضت المواطنين في كل ما يدفعهم إلى الاحتجاج والنزول إلى الشارع ليتعرضوا لـ “هراوات” وإهانات من لا يؤمنون إلا بالعنف، لمواجهة غضب الشعب.
وكأن الحكومة صححت كل “الإختلالات” و “التجاوزات” التي تضج بها الصحافة الوطنية ، كل يوم، وأعادت الثقة للشعب في علاقاته مع الحكومة والمؤسسات…..حتى تتفرغ لقضية الساعة، ولسان حالها يقول: “لك الساعة التي أنت فيها ، ولا ساعة لك إلا ما نريده نحن لك”…….. !
والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن العقلاء من الناس، هو، هل كان صاحب أو أصحاب “قرار الساعة” يجهلون أنه قرار يربك حياة فئات عريضة من الشعب، خاصة الفئات المنتجة في شتى مجالات تدبير الشأن العام، ويزعزع استقرار الأسر وينسف مخططاتها، ويقلب حياتها رأسا على عقب، بمجرد مرسوم يصاغ ويعتمد بين أربعة جدران، ويعى له مجلس وزاري استثنائي وكأن المغرب مقبل على إعلان حرب أو مواجهة خطر داهم، لا قدر الله ؟ ! ……
ألم يقدروا خطورة اتخاذ هذا القرار الارتجالي والمرتبك، على حياة المواطنين ودون استشارتهم أو أخذ رأيهم في موضوع يتصل بحياتهم اليومية ، وهم يعلمون أن بالبلد مؤسسات وأحزابا وجماعات محلية وإقليمية وجهوية، وهيئات مهنية، ومنظمات أهلية صار لها دور استشاري بالبرلمان، ومراكز صناعية هامة، تشغل مئات الآلاف من المواطنين……
وهل أدخل أصحاب القرار في قرارهم البئيس أوضاع الآلاف من الموظفات والموظفين وأسرهم والطالبات والطلبة في الجامعات المغربية التي فاقت العشرين، ومعاناة تلميذات وتلاميذ المدارس الابتدائية والثانوية وقد فاق عددها ال 11 ألف، وفاق عددهم الثمانية ملايين، و الآلاف من معلميهم وأساتذتهم..
يبدو أن الحكومة مرت مرور الكرام على كل هذه الوضعيات حيت اجتمعت بصفة مستعجلة، وقررت واعتمدت ونشرت على طريق “براح أيام زمان…”ياعباد الله، ما تسمعوا إلا خير. “قالكم سيدنا القايد. يكون كذا وكذا… ومن فرط كرط…وهاوذني منكم” ! …..
ربما يكون الرئيس العثماني قد اغتر بأغلبيته السداسية، ليظن أنه من “حقه” أن يقرر ما يشاء كما يشاء وفي حق من يشاء، وأين وأنى يشاء !
ولعل من المناسب أن نذكر الحكومة بأحزابها الستة، أنها لم تحصل إلا على نصف المسجلين الذين يشكلون نصف سكان المغرب الذين يجاورون الثلاثين مليونا…وبالتالي فإنه لم تسعفهم سوى أصوات نصف النصف من النصف، أي حوالي 6 ملايين صوت، وشتان بين أغلبية “اللعبة الديمقراطية” وأغلبية المواطنين الذين أربأوا بأنفسهم عن المشاركة في هذه “اللعبة” التي اكتشف الواقع أن نتائجها لم ترق إلى انتظارات الشعب.
وأمام غضب المواطنين المتزايد واحتجاجاتهم عن قرار اعتبروه مرتجلا ومستعجلا، اعترف العثماني بـ “الحرج” الذي تسبب فيه هذا القرار الذي برره أمام البرلمان، بمتطلبات الطاقة، وهي حقيقة يمكن أن تنسب للماريشال الفرنسي (1470 1525) Jacques de Chabanne, seigneur La Palice المشهور ب “حقائقه” العجيبة والمثيرة . وقدم العثماني تفاصيل ضافية عن ارتباط قرار تثبيت الساعة الصيفية بالمحافظة على الطاقة، “لأنها ثمينة” ، حتى خيل إلينا أن رئيس الحكومة يخاطب مغاربة بداية القرن الماضي، وهو يعلم علم اليقين أن مغاربة اليوم “يتبحرون” صباح مساء في المواقع وصفحات الأنترنيت، ويطلعون فيها على ما خفي في بياناتكم وبلاغاتكم وأخباركم. ذلك أن مغاربة اليوم “يستوعبون العالم ويستوعبهم العالم”.
ولم يعودوا اليوم بحاجة إلى إعلام “رسمي” ثبتت قلة كفاءته وعدم فائدته، و “ويويته” بعد اختراع “الترانزيستور على يد العلماء الأمريكان Américains John Bardeen, William Shockley et Walter Brattain, في 23 ديسمبر 1947، هذا الاختراع الذي اعتبر “أهم ثورة في الكون بأكمله”، وبعد تطوير الشبكة العالمية للأنترنيت انطلاقا من سنة 1961 على يد الأمريكي Leonard Kleinrock، وبالتالي فالمغاربة، في معظمهم، يتتبعون أحداث العالم كما لا يمكن للمسؤولين أن يتوقعوا ذلك، وهم يعلمون أنه فيما تستعد مختلف الدول الأوروبية للعودة إلى التوقيت المعتاد بعد التوقيت الصيفي، تفجرت عبقرية مسؤولينا، واعتمادا على “دراسة” أقر بوجودها الوزير بن عبد القادر، عن قرار انفرادي ومفاجئ، للحكومة بترسيم ساعة الصيف بصفة دائمة بالمغرب.
ثم ليبدأ الحديث عن “عزم” الحكومة على فتح الحوار بهذا الشأن مع فيدراليات التعليم والوظيفة العمومية والسعي إلى ابتكار تدابير للمواكبة، كل هذا بين يوم وليلة…..
أمر عجيب والأعجب منه أن ينبري زعيم الاشتراكيين ، ياحسرة على الاشتراكيين !، للدفاع عن وزيره ويعتبر أن الجدل في موضوع الساعة “جدل مردود عليه، وترف يتسلى به رواد الفايسبوك العاطلون ، ويستفيد منه خصوم المغرب” !!!