جريدة طنجة ـ عزيز الكنوني
بعد رفض الأمانة العامة للحكومة التأشير على تصميم التهيئة الحضرية لمدينة طنجة، ونشره بالجريدة الرسمية، وللمرة الثانية، بداية يوليوز 2017، وبعد أن تم رفض نفس المشروع في صيغته الأولى سنة 2016، أصبح هذا التصميم لاغيا، ولا يترتب عنه أي إجراء قانوني. وكان المؤمل أن تسارع الجماعة وسلطات الوصاية والوكالة الحضرية إلى رفع اليد عن العقارات المنتزعة ملكيتها والتي أدرجت وعاء عقاريا لتنفيذ مشاريع اعتبر المجلس الجماعي أنها ضرورية لمواكبة تنمية المدينة بينما يرى بعض المختصين في الوكالة الحضرية أنمشروع التصميم انطلق من مفاهيم غير مضبوطة، وأنه لم يستوف حقه من الدراسة المبنية على أسس علمية.
هذه الوضعية شكلت عرقلة جديدة ومعقدة، في تدبير مشاريع التعمير، فضلا عن كونها تعيق تصرف أصحاب العقارات المنتزعة ملكيتها لفائدة التصميم، في ممتلكاتهم، في انتظار انتاج تصميم جديد، يكون مستوفيا للشروط المطلوبة، ومنها، بوجه خاص، توفر الجماعة على الاعتمادات الكافية لتعويض المتضررين، وفق ما ورد في الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية العاشرة، حيث أشار جلالته إلى أن ا”لعديد من المواطنين يشتكون من قضايا نزع الملكية ، لأن الدولة لم تقم بتعويضهم عن أملاكهم، أو لتأخير عملية التعويض لسنوات طويلة تضر بمصالحهم، أو لأن مبلغ التعويض أقل من ثمن البيع المعمول به، وغيرها من الأسباب”.
ونبه جلالته إلى “إن نزع الملكية يجب أن يتم لضرورة المصلحة العامة “القصوى”، وأن يتم التعويض طبقا للأسعار المعمول بها، في نفس تاريخ القيام بهذه العملية مع تبسيط مساطر الحصول عليه”. كما ألح جلالة الملك على أنه “لا ينبغي تغيير وضعية الأرض التي تم نزع ملكيتها وتحويلها لأغراض أخرى أو تفويتها من أجل المضاربات العقارية”. (للتنبيه أرض الإكسبو 2012)
ولعل الأمانة العامة للحكومة كانت على علم بوضعية جماعة طنجة، المالية، المترهلة، وبعجزها عن الوفاء بالتزاماتها إزاء الأف معترض من المتضررين، وفق التعليمات الملكية الواضحة في هذا الباب. غير أن بلاغ جماعة طنجة، بعد شيوع خبر الـرفض الذي زعزع مكانة مجلس الجماعة في نظر السكان، وزرع نوعا من “الشك” في كفاءة مستشاري الجماعة وأطرها الإدارية والتقنية، لإعداد تصميم تهيئة حضرية ملائم لمدينة مليونية “ميتروبولية” كمدينة طنجة ومواكبة حركة النمو التي تشهدها والتي تتطلع إليها وتترقبها، وبالتالي، أصدرت الجماعة بلاغا بينت فيه أن رفض مشروع تصميم التهيئة في صيغتيه الأولى والثانية، لن يؤثر سلبا على التنمية العمرانية، ولن يوقف عجلة الإنعاش العقاري بالمدينة. وقد أثبت الواقع عكس ذلك تماما ، حيث إن المواطنين المعنيين بالأراضي المنتزعة ملكيتها كليا أو جزئيا، وفق تصميم التهيئة، في صيغتيه المرفوضتين من طرف الحكومة، لا يستطيعون اليوم التصرف بحرية في أملاكهم، بيعا وشراء، اعتبارا لعدم قدرتهم على استصدار وثائق التعمير الضرورية من طرف الوكالة الحضرية، الأمر الذي يمنعهم من التصرف في عقاراتهم تصرف المالك في ملكه، وفق مفهوم”الشرع والقانون”.
ومعلوم أنه بعد شهر “البحث العلني” الذي دام شهرا من 12 يونيه إلى 12 يوليوز 2017، والذي تمخض عن تسجيل حوالي 10 آلاف اعتراض تقريبا، في صيغتيه الأولى (1016) والثانية (2017)، عقد مجلس الجماعة دورة استثنائية لإبداء الرأي حول ردود الفعل بخصوص التصميم. حيث أبدى أنصار التصميم تفاؤلا كبيرا بشأن حاله ومآله، بينما تعالت أصوات مسؤولة تنبه إلى أن مشروع تصميم التهيئة لا يستجيب لمجموعة من الملاحظات التي تقدم بها بعض المستشارين ورؤساء المقاطعات، ولم يتم تنقيحه على نحو جيد في نسخته الثانية، وبالتالي فإنه لن يحل الإشكالات الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية الموجودة حاليا، لأنه لم يستوعب إشكالات الواقع، فكيف به أن يخطط للمستقبل؟.
وحذر غيره من أن الارتجالية التي طبعت صياغة هذا المشروع، لابد وأنها ستعيد إنتاج نفس الأزمة، وقد لا يخرج مفعولها عن تأجيل الحلول والتسبب في تراكم المشاكل.
ومع ذلك، فقد صادق المجلس، في دورته الاستثنائية، بالأغلبية المعلومة على مشروع تصميم تهيئة المدينة، بتزكية من لجنة التعمير البلدية التي رأت فيه الخير، كل الخير لطنجة وسكانها، وأن من حسناته أنه يواكب الطفرة العمرانية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها مدينة طنجة، وأنه يضع إطارا متوازنا يمكن اعتباره خارطة طريق للوصول إلى أهداف التنمية الشاملة.
ومن المفارقات المثيرة للشفقة، أنه تم خلال هذه الدورة، تفويض الرئيس العبدلاوي، مهمة تمثيل المجلس في اللجنة المركزية و”الدفاع عن حقوق المواطنين” ، وعن ملاحظات الجماعة وملاحظات مجالس المقاطعة ! ……
وبينما حملت ما يسمى بـ “المعارضة” المسؤولية لمكتب الدراسات والوكالة الحضرية في ما شاب التصميم في صيغته الثانية، من أغطاء وعورات، ركز مدير الوكالة الحضرية لطنجة، خلال مداخلته على مساحة تصميم التهيئة الذي تبلغ 17000 هكتار والتي ووجهت بما يفوق 3290 تعرض، مما يناهز تعرضا على كل 5 هكتارات، وأعلم أن الوكالة ستسلم دفتر تعرضات المواطنين إلى اللجنة المركزية التي تتكون من ممثل الجماعة ومدير الوكالة الحضرية وممثل الولاية والمفتيشة الجهوية للتعمير وممثل وزارة التعمير والإسكان وسياسة المدينة، للنظر في هذه التعرضات وذلك في حدود نهاية سنة 2018، إلا أن إلغاء مشروع تصميم التهيئة، دفعة واحدة، من طرف الحكومة، كفى المجلس والولاية والوكالة واللجنة المركزية مؤونة البحث والتقصي و”صداع الرأس” ما دام أن في كل عملية نزع الملكية “إنّ” وأخواتها وشركاؤها و “باروناتها” والمتربصون دوما بكل “فلتة” أو هفوة، تفتح أمامهم جنان العمران و “التعمير” ، تعمير الحسابات البنكية على حساب شقاء وقهر وفقر مواطنين يجدون أنفسهم بين يوم وليلة وقد سلبت قطع أراضيهم التي “تعبر” بالأشبار بدل الأمتار والآرات والهكتارات بحجة “المصلحة العامة” . أما إذا انتزع من أرضه أقل من ربع مساحتها، فلا “جمعة له”…… يعني أنه لا حق له في أي تعويض. وكان الله في عونه.
المهم اليوم، ياحضرات، هو أن ترفعوا أيديكم ويد الوكالة الحضرية عن “الحجر” الذي يمارس على المواطنين المتضررين من تصميم التهيئة السيء الذكر، ما دمتم قد فشلتم مرتين في إقناع الولاية والدوائر المركزية المسؤولة بوجاهة رؤيتكم، ونجاعة مخططاتكم، وأن تمكنوا المواطنين ممن انتزعت منهم ملكية أراضيهم، من استغلال ممتلكاتهم بكل حرية ووفق مصلحتهم ، وتسهلوا أمامهم عملية الحصول على الوثائق الإدارية التي تمكنهم من ذلك، في انتظار تصميم جديد،……….وفشل جديد !