جريدة طنجة ـ عزيز الكنوني
لم يكن إضراب حافلات النقل على الطرق بالمغرب حدثا مفاجئا بالنسبة لمتتبعي الوضع مند سنوات حيث لا “تخمد” المواجهات مع مسؤولي القطاع إلا لتندلع من جديد، بسبب الفوضي التي تطبع طريقة تدبير هذا النوع من النقل العمومي وسوء تدبير معظم محطات النقل على الطرق، من طرف الجماعات المعنية.
وهكذا دخلت شركات النقل الرابطة بين مختلف مدن وجهات المغرب، مدعومة من إحدى المركزيات النقابية الكبرى بالمغرب، إضرابا عاما لأربع وعشرين ساعة، منذ الإثنين 24 شتنبر الجاري، للتنديد بانعدام الحوار بين المهنيين وكتابة الدولة المكلفة بالنقل، التي يشرف عليها “الطنجاوي” الإسلامي بوليف بسبب ما أعلنوه من رفض الأخير التفاعل من الملف المطلبي للمهنيين وإصرار إدارة بوليف على “تهميش” المهنيين والعزوف عن محاورتهم بخصوص إيجاد الحلول الناجعة للمشاكل العالقة، ومنها تفعيل اتفاقية 2009 المتضمنة لعدد من المطالب المهنية خاصة المتعلقة بمجانية البطاقة المهنية والعودة لما تضمنته مدونة السير في صيغتها الأولى والمطالبة بعدم سحب البطاقة المهنية إلا في الحالات القصوى.
وأمام ما اعتبروه “جمودا، بل ”تعنتا” من طرف المسؤولين عن قطاع النقل، قرر المهنيون تمديد إضرابهم 48 ساعة أخرى والرحيل بمركباتهم إلى الرباط في “مسيرة” احتجاجية لدعم مطالبهم والتنبيه لقضيتهم…..
إلا أن السلطات الإدارية بطنجة، منعت مسيرة الحافلات نحو العاصمة، في خطوة تصعيدية أخرى دفاعا عن مطالبهم وتنديدا بالإجراءات “الأحادية” التي تتخذها كتابة الدولة المكلفة بالنقل، دون الرجوع إلى مهنيي القطاع، ومحاورتهم بشأن الحلول المقترحة، بهدف تنظيم قطاع النقل و تحسين مردوديته.
وكرد فعل غاضب للمهنيين، قرروا تمديد الإضراب لأربع وعشرين ساعة أخرى، قد تكون وصلت إلى أمس الجمعة، الأمر الذي ضاعف من استياء المسافرين والمستعملين الذين وجدوا أنفسهم عالقين بالمحطة، بل و فرائس صائغة لبعض أصحاب سيارات الأجرة والسماسرة المبتزين ، نظرا لحاجة الطلبة والموظفين والعمال والمرضى للتنقل يوميا بين طنجة وتطوان ومدن الجهة الأخرى وكذلك للرباط، و”الكل في الرباط، آسيدي” كما نعلم !…..
حقيقة إنه يلاحظ تقصير مريع في التعامل مع النقل على الحافلات، من جانب الحكومة وأيضا من جانب المهنيين والجماعات المحلية، بحيث يجد المواطن نفسه أمام منظومة متخلفة، وفوضى عارمة، يذكيها بشكل إرادي، لا شك، ممثلو شركات النقل، بتعاملهم المريب مع السماسرة، و”الوسطاء” الذين يبتزون المواطنين فيما يتظاهرون بخدمتهم وتسهيل وصولهم إلى الحافلات التي تهمهم، بينما يتحالف “السماسرية” أو “الكورتية” بلغة محطات النقل “الوطنية” على إحداث فوضى عارمة، بما يقومون به من صخب وهم يعلنون وجهات الحافلات “الداخلة” ، أو المستعدة للانطلاق .
ولعل زيارة خاطفة لمحطة طنجة الطرقية تغنيكم عن كل بيان. فالمحطة، ليلا، تتحول إلى مأوى لمبيت “الشماكرية” من الجنسين، ومن كل الأعمار، ومن كل الجهات، وقد يحدث شنآن بين بعضهم، فيتحول فناء المحطة إلى حلبة مصارعة حرة “فيها الضعيف يداس” على قول الشاعر التونسي الراحل أبي القاسم الشابي في قصيدته الرائعة: إن الحياة صراع فيها الضعيف يداس !.
أما بالنهار، فهي “جوطية” كل يصيح بلسان، لا يوحي بأمن ولا بضمان، ويصادف أن تحصل “مفاجآت” صادمة بالنسبة للمسافرين، بين ساعة ولوج المحطة، ولحظة ولوج الحافلة، التي غالبا لا تحمل تذاكر السفر على متنها أرقام المقاعد، فيحدث الشنآن بين المسافرين ويستعمل الكلام النابي بين المتشاجرين الذين لا يترددون في استعمال الأيدي، ولكم أن تتصوروا حالة المسافرين على متن نفس الحافلة، التي تتحول، حين تسلم من حالات التطاحن حول المقاعد، إلى منصات لعرض منتوجات صينية تخص الهواتف المحمولة، ولترويج بعض المطبوعات الدينية، كدليل الخيرات وما شابه، و عرض أدوية لكل الأدواء، “والضامن سيدي ربي” !….. ولتقديم بعض المأكولات من صنف البيسكويتات، والسندوتشات والمياه “البزبوزية” ، إضافة إلى جحافل المتسولين، ومقدمي الأهازيج الشعبية وأشكال أخرى من “المدبرين”. بحيث لا تنطلق الحافلة إلا بعد أن تكون “الشقيقة” قد تمكنت من رؤوسكم بما تحدث من صداع وآلام ! .
لا أريد إثارة هنا موضوع المراحيض بمحطة طنجة الطرقية، فقد سبق أن تحدثت عنها ووصفتها بـ “المنكر” حيث إنها لا تليق حتى بالكلاب ! وتساءلت لماذا لا يفرض شكلٌ من أشكال التمدن على هذه المحطات التي تشكل وجها من أوجه المغرب المتحضر ؟ ……
على أي، لنبق هنا في الحديث عن إضراب الحافلات، ونسجل أن المشكل يكمن في قلة أو عدم التواصل بين المسؤولين والمهنيين، وما دام بعض وزراء الحكومة لا يؤمنون بفرضية الحوار وحتميته ، ويصرون على اتخاذ قراراتهم بين أربعه حيطان ، فلنتوقع مزيدا من الإضرابات التي قد يكون إضراب الحافلات أقلها خطورة وتأثيرا على حياة المواطنين. لا قدر الله !…