جريدة طنجة ـ محمد العمراني
مرة أخرى أجد نفسي مضطرا للحديث عن الوضع الأمني المتردي بمدينة طنجة، ودق ناقوس الخطر من تداعياته السلبية على أكثر من صعيد قبل فوات الأوان..
هناك شعور عام لدى ساكنة المدينة بتزايد معدل الجريمة، واستفحال ظاهرة بيع المخدرات خاصة الصلبة منها، وانتشار العديد من الممارسات المشينة، الأمر الذي يبعث نوعا من عدم الإطمئنان في نفوس الساكنة، والخوف على حياتهم وممتلكاتهم..
وحتى لا يتم اتهامنا بتضخيم الأمور، وتبخيس المجهودات التي تقوم بها مصالح ولاية أمن المدينة، دعنا نقول أن مكافحة الجريمة بشتى أنواعها في مدينة طنجة لم تعط النتائج المنتظرة، ولا تبعث على الارتياح، خاصة في مدينة حدودية من حجم مدينة طنجة، وما تعرفه من تدفق يومي لأمواج بشرية تبحث عن الهجرة نحو الفردوس الاوربي، ومنهم من يأتي بغرض الاستقرار في هاته المدينة أملا في البحث عن مصدر الرزق، متأثرين بما يشاهدونه من أخبار حول الاستثمارات والأوراش الضخمة التي تعرفها المدينة..
هناك إجماع اليوم على أن طنجة تعرف انتشارا خطيرا لظاهرة بيع المخدرات الصلبة والمؤثرات القوية، من حبوب الهلوسة وبعض المخدرات الجديدة التي باتت تغزو السوق، ولها نتائج جد وخيمة على حياة المستهلكين، بل تحولهم إلى وحوش آدمية مستعدة للفتك بكل من يعترض طريقها..
المصيبة أن المدينة أصبحت تحت رحمة شبكات إجرامية متخصصة في ترويج هاته السموم، بل وصل الأمر أن أصبحت هاته العصابات توزع المدينة فيما بينها إلى مناطق نفوذ، كل واحدة تبسط سيطرتها المطلقة على مجالها الترابي، ويكفيك أن تتجول بأي منطقة لبضع دقائق حتى تصلك الأخبار عن هوية الأشخاص الذين يتحكمون في سوق المخدرات، وعندما تسأل الناس عن سبب عدم تدخل الأمن يواجهونك بالقول: “الشرطة تعرفهم واحدا واحدا، وكلنا نتساءل عن السبب الذي يمنعهم من التدخل؟!!!”.
ما يثير الكثير من التساؤلات المحرجة حقا، هو أن حصيلة تفكيك هاته الشبكات غالبا ما يقتصر على صغار الموزعين، ونادرا ما يتم الإيقاع بالحيتان الكبيرة، وهي تساؤلات تبقى في حاجة إلى أجوبة حقيقية من لدن المسؤولين الأمنيين بالمدينة، أجوبة تقنع المواطنين بعيدا عن مبررات غياب الامكانيات البشرية واللوجستيكية، لأنه ببساطة الناس يعرفون أن الحموشي وضع فرقا جهوية للتدخل في العمليات الخطيرة، وهناك الفرقة الوطنية وأيضا المكتب المركزي للأبحاث القضائية، كلهم على استعداد لتنفيذ عمليات التدخل ضد الشبكات الاجرامية الخطيرة..
لكن يبقى السؤال هو هل تتوصل هاته الاجهزة بتقارير موضوعية حول خطورة الأنشطة الاجرامية لهاته العصابات بطنجة، أم يتم نقل الامور وكأنها ظاهرة عادية لا ترقى الى الشبكات المنظمة..
علما أن واقع الحال وبالنظر للوجستيك و التنظيم المحكم لهاته العصابات يؤكد أنها جد خطيرة واحترافية، مما يفرض دخول أجهزة أمنية مؤهلة لمثل هاته العمليات، وبالتالي من حقنا أن نعرف لماذا لا يتم الاستعانة بدعم الفرقة الوطنية أو البسيج؟!!..
لسنا في حاجة إلى التأكيد على أن الاستفحال المخيف لظاهرة استهلاك المخدرات الصلبة وحبوب الهلوسة والهيروين بمدينة طنجة، وتضاعف أعداد المدمنين يبقى أحد أهم الأسباب وراء الجريمة بالمدينة، وخاصة جرائم السرقة والسطو المسلح، واعتراض سبيل المارة، وتهديد أمنهم وسلامتهم، بل وحتى تزايد جرائم العنف ضد الأصول…
جميعنا يعرف أن إحصائيات الجريمة بطنجة تؤكد أن السبب الرئيسي هو اسهلاك المخدرات الصلبة، وأن الطريق الأضمن لمكافحة الجريمة هو تجفيف منابع الموزعين الصغار، وهذا لن يتأتى إلا بإسقاط الرؤوس الكبيرة..
نعرف أن الأمر ليس بالسهولة المتوقعة، لكن لا يجب الاستسلام أمام هاته العصابات بداعي غياب الإمكانيات البشرية واللوجستيكية..
المدينة في حاجة إلى مسؤولين أمنيين تحركهم الغيرة على أمن الوطن وعلى سلامة المواطنين، أمنيين مهنيين ويقدرون شرف المهنة…
بالقدر نفسه يبقى للقضاء دور أساسي في الضرب بيد من حديد على زعماء هاته العصابات التي تنشر الموت والخراب بالمدينة، إذ لم يعد مقبولا أن تصدر أحكام يعتبرها المواطنون مخففة، وسرعان ما تعود هاته الشبكات إلى ممارسة أنشطتها الإجرامية بشكل أكثر شراسة!..
طنجة الكبرى تتطلب جهازا أمنيا مستوعبا للتحديات المطروحة، جهازا قادرا على تنزيل استراتيجية الحموشي المبنية على المهنية والنزاهة والكفاءة..
طنجة الكبرى اليوم تكاد تصبح مدينة منكوبة أمنيا، وعلى من يهمه الأمر التحرك بأقصى سرعة قبل فوات الأوان..
فهل وصلت الرسالة؟..