جريدة طنجة ـ لمياء السلاوي
لم يعد يمر أكثر من يوم في مدينة طنجة دون الحديث عن جريمة قتل جديدة أو عن محاولة انتحار، ناجحة أو فاشلة، حتى صارت الدماء والجثث حديث العامّ والخاص في «عروس الشمال»، بعدما كان هذا النوع من الأخبار يعد حدثا صادما ونادر الوقوع..
تتشابك الكثير من العوامل في ارتفاع معدلات الجرائم في طنجة، ترتبط بما هو نفسي واجتماعي وبتغيرات بنية المجتمع الطنجي في السنوات الأخيرة، وهو ما جعل الإقدام على الأفعال الإجرامية أكثر «بساطة» بالنسبة إلى مقترفيها، ويربط أساتذة علم الإجتماع في ارتفاع معدلات الجريمة في السنوات والأخيرة بالنمو الديموغرافي والإقتصادي الذي شهدته مدينة طنجة، والذي أدى إلى تغيرات في البنية الإجتماعية، أدّت إلى «خلخلة» التوازن الذي كانت تعرفه المدينة وأصبحت العلاقات الإجتماعية أقل عاطفية وتراجع ما يسميه علماء الإجتماع «الضبط الإجتماعي غير الرسمي»، وبالتالي تزايد السلوك الإنحرافي والإجرامي في المجتمع.
ما تشهده مدينة طنجة حاليا من جرائم هو نتيجة لانهيار الوسائل التقليدية للضبط الإجتماعي، فضلا على تزايد حركية السكان وطغيان قيم الفردية والتركيز على الماديات والتنافس في هذا المجال،فسكان المدن، لاسيما الكبيرة منها، يُقيّمون بعضهم بناء على هذه المعايير، وهذا التركيز على الأموال والممتلكات يؤدي بالبعض إلى سلوك طرق غير شرعية، من بينها القتل بدافع السرقة أو بدافع الحسد.
و لا ننسى وسائل الإعلام، التي تلعب دورا مُهمّاً في ارتفاع معدلات جرائم القتل في مدينة طنجة، ف»جرائد الأرصفة» لا تخلو، في أي يوم، من أخبار حول الجرائم، يتم تقديمها واستعراضها بطريقة فجّة دون تحليل عميق، من أجل الوقاية والحيلولة دون مرور المتلقي إلى السلوك الإنحرافي. لو بلّلنا بعض الجرائد وعصرناها لسال الدم منها، من كثرة تناولها أخبار الجرائم ومن كثرة صور القتلى والدماء فيها.
الأسرة أيضا لها يد في هذه الجرائم، حيث تخلت عن أدوارها في الحفاظ على الثقافة الإجتماعية وتحيينها بما يخدم السلوك السليم في المستقبل، كما أن المدرسة فشلت، هي الأخرى، في المساهمة في التربية والتنشئة الإجتماعية، وهو ما أدى إلى تشظّي المجتمع، فضلا عن الطريقة التي «تُسوَّق» بها المؤسسات السجنية في وسائل الإعلام، عبر «إظهار سجناء يتمتعون بمميزات كثيرة، من تعليم وتكوين مهني وزيارة بعض الفنانين والشخصيات الإعتبارية في المجتمع، وهي أمور قد لا تتوفر للفرد خارج السجن، كما أن حصول السجين على التغذية والرعاية المجانية داخل السجن يدفع البعض إلى تفضيل «الإقامة» داخله، فيعود لارتكاب جرائم في كل مرة، وليست الجرائم ضد الغير وحدها التي تزايدت في طنجة في الآونة الأخيرة، فمحاولات الإنتحار، الناجحة والفاشلة، تزايدت بدورها، و هو رد فعل تجاه الإحباط وعدم تحقق الأهداف الفردية أو الأسرية، إلى جانب تعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة، إضافة إلى العوامل النفسية والعقلية التي تعطي المشاكلَ حجما أكبر من حجمها الطبيعي وتدفع صاحبها إلى التفكير في وضع حد لحياته».
و هنا ندعو إلى إعمال الشفافية في تناول المشاكل الإجتماعية وإحلال العدالة داخل المجتمع من أجل الحد من انتشار الجريمة. كما نطالب بإعادة النظر في المؤسسات العقابية وبالإهتمام بالمواطن على كل المستويات، المادية والنفسية، وبإعادة الإعتبار إلى مؤسسات المجتمع والدولة، بما فيها المدرسة والإعلام، وإعطاء عناية خاصة لمشاكل الشباب وإعمال تنمية حقيقية تنطلق من الإنسان وتعود إليه.