“فلنتبرّع جميعنا” التبرع بالأعضاء .. جسر الربط بين ضفتي الموت و الحياة..الحياة عند الله مقدّسة و منح الحياة للآخر قمة الإرتقاء بالنفس والجسد.
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( التبرع بالأعضاء )
الأربعــاء 16 مــاي 2018 – 10:01:03
لكن في لحظة ما، يصبح ملحاً، يمرض أحد الإخوة، الأبناء، الأهل، الأصدقاء، أو حتى نحن، يصبح السؤال قريباً، ملحاً، غاضباً.. إنه سؤال البديهة، هل من المعقول أن يموت كل هؤلاء سنوياً، أن يصابوا بالعمى، بتشمع الكبد، بالقصور الكلوي ..أن يشعروا بكل هذه الآلام، والحل قريب منهم، ولا يستطيعون الوصول إليه، الحل بأن يسأل كل واحد منا هذا السؤال ولا يؤجله .. لأن الحياة قصيرة لنا و لغيرنا.
وبينما نؤجل الإجابة تنمو سوق سوداء للأعضاء ترتفع فيها الأسعار حسب الطلب وتنخفض تبعاً للعرض، وتصبح تجارة لابتزاز المريض والمزايدة على ثمن العضو، حيث يحصل الفقراء على مبالغ بسيطة من أجل التبرع بأعضائهم التي تباع بدورها الى متلقين مستعدين لدفع كل ما يملكون من أجل الحصول على فرصة جديدة.
وعلى الرغم من وجود آلاف المتوفين دماغياً إلا أن هناك رفضاً للتبرع بالأعضاء، رفض اجتماعي ليس له ما يبرره، رغم أن الدين قال كلمته، ما يشكل تحدياً لإنقاذ آلاف المرضى لتكتب لهم الحياة من جديد.
عودة إلى سؤال البداية، لنسأل سؤالاً آخراً، هل أنت نستعد لشراء عضو بشري إذا احتجت إليه؟ هل أنت مستعد لصياغة كل التبريرات وإيجاد كل المسوغات لتنقذ نفسك ومن تحب… رغم أن للدين والقانون رأي واضح… باعتبار هذا الشراء جريمة وخطيئة.
بين الموت وتأجيل الموت… تجارة تحول الإنسان وقيمه لقطع غيار… وبين ضفة الحياة وضفة الموت، ممر عبر الآخر… عبر الإنسان، على الضفة الأولى هناك مرضى محكوم عليهم بالألم، وعلى الضفة الأخرى، هناك الحل، أعضاء بشرية، تمنح الحياة مرة ثانية، وبين الضفتين، جسر هو التبرع… هذا الملف هو دعوة لعبور هذا الجسر…
لا تزال عمليات زرع الأعضاء البشرية تعرف نقصا كبيرا بالمستشفيات المغربية، ورغم الجهود المبذولة من طرف الجهات المختصة من أجل رفع عدد العمليات سنويا والإقتراب من المعدلات العالمية في هذا الجانب من خلال سنّ التشريعات القانونية المنظمة وتوفير الوسائل والأجهزة الطبية اللازمة، إلا أن هذه الجهود تواجهها العديد من العقبات من أهمها نقص عدد المتبرعين، الذي يرجعه الخبراء إلى سيادة بعض الأفكار التقليدية التي ترى في العملية تعدي غير مقبول على الجسد الإنساني. ولم تفلح الحملات الإعلامية للتوعية بأهمية التبرع لإنقاذ الأرواح في تجاوز الثقافة الشعبية الرافضة.
ما زال التبـرّع بـالأعضــاء في المغرب يواجَه بتردّد مجتمعيّ ملحوظ يترجم خطوات محدودة، لكن المملكة، بحسب مراقبين، تُعدّ متقدمة في مجال تنظيم التبرّع بالأعضاء والأنسجة البشرية، بالمقارنة مع عديد من الدول العربية.
وبالرغم من الجهود الكثيرة التي بذلها المغرب على مستوى التشريع، من خلال سن قوانين مرنة تحثّ على التبرع بالأعضاء، إلا أن المواطنين المغاربة ما زالوا متخوفين من الإقدام على التبرّع، نتيجة ضعف في هذه الثقافة، وبهدف تشجيع المواطن المغربي على تسجيل نفسه على قائمة الراغبين في التبرّع بأعضائهم بعد وفاتهم، نشأت حملات شاركت فيها وجوه فنية ومدنية وسياسية بمختلف مدن المملكة.
و تفيد معطيات سابقة لوزارة الصحة المغربية بأن نسبة المتبرعين بالأعضاء في المغرب لا تتخطى 0.4 مواطن لكل مليون مواطن، وعمليات التبرّع الموثّقة شملت الكلى والنخاع العظمي وقرنية العين، وقد بلغ عددها 820 عمليّة بحسب السجل الخاص بالتبرّع بعد الوفاة.
نجيبة.ب، شابة تخرجت حديثاً من جامعة عبد المالك السعدي، تعاني من مشكلة عويصة في إحدى عينيها، تتفاقم مع مرور الوقت، بالتالي، لا بدّ من خضوعها لعملية زرع قرنية، لكن العملية مكلفة مادياً، وتتطلب متبرّعاً يتعذّر العثور عليه.
وتقول نجيبة: “سجّلت اسمي على قائمة الإنتظار المعمول بها لإجراء عملية زرع قرنية في مستشفيات المغرب، ومن خلال تجربتي، اكتشفت أن المتبرعين بالأعضاء البشرية قليلون جداً، لا يتجاوز عددهم بضع حالات فيما يزيد عدد سكان المغرب عن 34 مليون نسمة”.
خديجة من مدينة أصيلة، إمرأة في أواخر عقدها الرابع، تخبر أنها تعاني من ضمور تام في وظيفة الكبد من جراء تعرضه للتليّف، وهو ما يتطلب عمليّة زرع عضو بديل، لكن ذلك لم يتيّسر لها بعد، وتشير إلى أن الأطباء المعالجين نصحوها بإجراء العملية الجراحية في بلد أوروبي إن توفّر المال لديها.
في السياق نفسه، يردّد المعنيّون بالقطاع الصحي في البلاد دائماً، أن عمليات زرع الكلى في المراكز الإستشفائية في المغرب أفضل حالاً من غيرها، وقد أشير أخيراً إلى أن زرع الكلى مُتاح حالياً للمرضى المحتاجين، على الرغم من أن الأعضاء المتوفّرة أقل بكثير من الحاجة.
وتظل معاناة المرضى المغاربة، الذين يحتاجون إلى زرع أعضاء، معاناة إنسانية كبيرة على الصعيدَين الجسدي والنفسي، ما دامت ثقافة التبرّع غائبة في المجتمع المغربي، بالرغم من التشجيع القانوني ومواعظ رجال الدين.
ويوضح المحامي والباحث في العلوم القانونية، محمد بنجلون، أن “القانون الجديد الذي ينظّم التبرع بالأعضاء، حدّد عدداً من الشروط التي يتوجّب توفّرها قبل الخوض في أية عملية تبرّع، بذلك، يحرص المشرّعون على عدم تحوّل الأمر إلى متاجرة بالأعضاء البشريّة أو احتيال يضرّ بأي من الفريقَين”.
ويشدّد بنجلون على أن “القانون، وبالرغم من إجازته عمليات التبرّع بالأعضاء والأنسجة البشريّة، إلا أنه ظل حذراً في ما يتعلق بفتح الباب واسعاً في هذا المجال”، ويشرح أن النص القانوني أعطى “كل شخص راشد يتمتع بكامل أهليته” الحقّ في أن “يعبّر وهو على قيد الحياة، بترخيص أو منح أحد أعضائه أو أعضاء معيّنة بعد مماته”.
تجدر الإشارة إلى أن الفنان المغربي، الممثل هشام بهلول، كان قد تقدّم بطلب ترخيص للتبرّع بأعضائه بعد وفاته قبل سنة تقيربا أمام المصالح القضائية المختصة، فسجّل إسمه في السجل الخاص بالتبرّع بالأعضاء البشرية لدى المحكمة الإبتدائية لمدينة الدار البيضاء، وهو ما أثار ترحيباً كبيراً بين المغاربة.
من جهته، كان قد أقدم وزير العدل والحريات السابق، مصطفى الرميد، على الخطوة نفسهان وأعلن عن إدراج إسمه في السجل الخاص بالتبرّع بالأعضاء بعد وفاته لدى محكمة الدار البيضاء، وذلك “من أجل أن يُستفادَ منها طبياً في عمليات زرع للمرضى المحتاجين إليها”.
لماذا إذن لا يتبرع المغاربة بأعضائهم؟ لماذا القلة القليلة من المغاربة فقط توصي بالتبرع بأعضائها بعد وفاتها ونادرا قيد الحياة؟
المفارقة الصادمة أن العديد من المغاربة المرضى يتألمون يصرخون يئنون من وجع المرض الذي ينهك صحتهم وجيوبهم، بسبب تلف عضو أو فشله وقصوره في تأدية وظيفته، مثل الكلية، الكبد، المعدة.. علما أن المغربي وهذه حقيقة لا مجاملة فيها، يسارع إلى الخير، محب للمبادرات التطوعية، وبالتالي هناك خلل يجب كشفه في إشكال التبرع بالأعضاء؟؟
من خلال النقاش مع مجموعة من الأشخاص، وتقصي وجهة نظرهم، معظمهم صرح بعدم ثقته في الجهة التي ستقوم بتسلم الأعضاء، والأشخاص الذين سيستفيدون، وخلاصة الآراء المتقاربة تجمع على غياب الثقة في مؤسسات الصحة، واعتبار “كلمة” تبرع” و”تطوع” مجرد خدعة لاستدراج البسطاء من الناس لمنح أعضائهم لتجار الصحة، الذين لا يأبهون بآلام المرضى ومعاناتهم..
إن تمثلات معظم المَغـــاربة لمسألة التبَـرّع المرتبطة بالجَسد بدءًا من التبـرع بـالدّم، توجهها مسـألتـان :
1- مصداقية الجهة المشرفة، وهنا أعطي مثالا على ارتفاع نسبة التبرع بالدم، عندما تبرع الملك محمد السادس بدمه، مما منح المصداقية للجهة المتسلمة، باعتبار أن الملك يتابع هذه المبادرة، إذن لاينبغي الإستخفاف بثقة المغاربة، سيما أمام التراكم التاريخي لغياب الثقة بين المواطن والمؤسسة الصحية.
2- الشفافية في تدبير رصيد المتبرعين بالأعضاء، من خلال عملية التوثيق للمستفيدين، بكل المعطيات التي من شأنها إزالة الغموض والشك وبناء الثقة بين المواطنين ومؤسسات الصحة.
أيضا لا يمكن إغفال الترسانة القانونية المغربية المتطورة، تجاة قضية التبرع، والتي أحاطت التبرع بالأعضاء بإجراءات قانونية استباقية، تمنع المتاجرة بالأعضاء البشرية، لكنها تبقى غير كافية، حيث لا يواكبها تحسيس عبر مختلف مؤسسات الدولة، كالإعلام، المدرسة، المسجد..، وهو مايجعل ثقافة التبرع بالأعضاء تبقى غامضة دينيا وثقافيا وهامشية في النقاشات اليومية، لكونها لم تصل إلى مستوى المواضيع التي تحظى بجاذبية كالرياضة أوالموسيقى، أو السياسة، وهو ما يجعل المغرب متأخر عن الأردن والسعودية ومصر، وتونس والعديد من الدول التي قطعت أشواطا كبيرة في رفع معدلات التبرع بالأعضاء، في حين أن التبرع بالأعضاء هو طريق منح حياة لإنسان يتألم ويتألم معه من يحبونه، ختاما لا بد من تأسيس بنك للتبرع بالأعضاء، هو بنك لصناعة الحياة، والتزود لدار البقاء، يقول الله تعالى: “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”.
تقبل المجتمع لفكرة التبرع بالأعضاء البشرية بحاجة إلى برنامج توعوي مبني على دراسات وتجارب دول أخرى من قبل متخصصين والأمر أيضاً يتطلب كسر الحاجز النفسي للأفراد لتقبل الفكرة مع توضيح الجانب الإنساني والأخلاقي لهذا العمل وما تترتب عليه من نتائج ايجابية قد تساهم في إحياء نفس بشرية كانت تنتظر الموت في أي لحظة.
فلنتبرع جميعنا بأعضائنا بعد مماتنا، و لنكسر هذا الحاجز و نلغيه من أجندة الطابوهات التي باتت تسيطر على خط سيرنا في الحياة.
فلنتبرع جميعنا من أجل الفوز بأجر لا يعدّ و لا يحصى …. فالحياة عند الله مقدّسة و منح الحياة للآخر قمة الإرتقاء بالنفس والجسد.
فلنتبرع جميعنا و لنعد النظر في ثقافات بالية تحرمنا من إنسانيتنا التي خلقنا الله من أجلها ……
فلنتبرع جميعنا….