الجهوية المركزية !
جريدة طنجة – محمد العطـلاتي ( الجهوية )
الجمعة 04 مــاي 2018 – 18:03:02
وإذا كانت كثرة الأحاديث، التي تعددت وتشعبت عن الجهوية كمفهوم، يعدها البعض مظهرا من مظاهر الحرية واحترام الرأي والرأي الآخر بهذا البلد، فإنها ،في اعتقاد آخرين، تعد أيضا مظهرا من مظاهر “المركزية ” وامتداداتها المتشعبة، حيث تبدو هذه المركزية واضحة في خطابات “المتكلمين الجدد ” عن الجهوية، وفاضحة لتبعية النخبة المثقفة، للخطاب المركزي حول الجهوية، وذلك من عدة أوجه، لعل أبرزها كون هذه النخبة المزعومة، التي صامت عن الخوض في شعاب الجهوية دهرا طويلا، أفطرت ذات صباح، عندما صدر الإذن من المركز بالإفطار، لتجد هذه النخبة نفسها وقد امتنعت عن الإمساك عن هذا الحديث المركز عن الجهوية.
ولعل من دلائل تبعية النخبة الواهمة للمركز الحاكم في موضوع الجهوية استمرار “المتكلمين الجدد” في وصف بعض المدن المغربية، كوجدة وفيكيك والراشيدية، ب “البعيدة “، فعن ما ذا يا ترى هي بعيدة ؟ أكيد، في مخيال هؤلاء، أنها بعيدة عن العاصمة الرباط، ما يعني في المحصلة أن نخبنا الواهمة لا زالت تكيل بمكيال المركز في تحديد بعد المسافات، ليس بين المدن و بعضها البعض،أو بينها و بين المحيط الدولي، بل بينها مجتمعة وبين مدينة واحدة هي الرباط، وهي بالمناسبة المدينة التي يرغب معظم المتحدثين الجدد في حمل رقمها على لوحات تسجيل سياراتهم .
والحقيقة أن التبعية للمركز ليست سمة “النخب المثقفة ” فقط، بل هي أيضا صفة لعامة الناس، ما دام معظمهم لازالوا يتحدثون عن الرباط والدار البيضاء، واصفين إياهما ب “المدن الحقيقية “، وفي ذات الوقت ينفون صفة المدنية عن باقي حواضر المغرب. الحديثة أو العريقة.
الواقع أن التبعية للمركز، عندما تتبناها العامة، فمن الصعب على النخب أن تخالف رأي العامة، إذا كانت نخبا حقيقية غير مزيفة، لكن يبدو أن “نخبتنا ” المحكومة بردود الأفعال، لا بالأفعال والمبادرات، مستعدة لمناقضة نفسها في سبيل الدفاع عن المركز، وهذا ما تنبه له الطالب الأميركي جون واتربوري حينما وصف نقاشات النخبة السياسية المغربية بأنها ” بيزنطية” في كتابه الشهير ” الملكية والنخبة السياسية المغربية”..
يبدو أن الحديث المزمن عن الجهوية الذي أصاب النخب السياسية والثقافية والقانونية، و حتى الاقتصادية، لا يمكن أن تؤدي في النهاية إلا إلى بزوغ نظرية جديدة في الفقه الدستوري، أو بالأحرى في القانون الإداري، نظرية تتحدث عما سيعرف لاحقا ب “الجهوية المركزية” !…..