ندوة علمية حول تهيئة ترميم المدينة العتيقة بمشاركة خبراء ومختصين وتقنيين
جريدة طنجة – عزيـز كنـوني ( ترميم المدينة العتيقة )
الأربعــاء 16 ماي 2018 – 15:48:04
الندوة انعقدت بفندق “كونتينينتال” بقلب المدينة العتيقة، والذي يعتبر معلمة من معلمات طنجة، ولربما أنه أول فندق بمواصفات عالمية، أنشئ بالمغرب حيث إن بناءه يعود إلى سنة 1865،وكان مفضلا لدى شخصيات عالمية كالبريطاني وينسطون تشيرشيل والفرنسي، دوق باريس، وغيرهما من مشاهير العالم، أدباء وسياسيين وفنانين.
في هذا الفضاء المتميز، جرى حديث كثير عن مدينة طنجة العتيقة، وخصوصياتها ، وطابعها المتميز، وتاريخها الحافل، حيث إنها عايشت شعوبا وحضارات تفاعلت معها ومع ثقافاتها: الفنيقيون في القرن التاسع قبل المسيح، والقرطاجيون في القرن الرابع ق.م. والرومان، بداية القرن الثاني للميلاد إلى الفتح الاسلامي على يد موسى بن نصير بداية القرن السابع لتسقط تحت الاحتلال البرتغالي والاسباني والبريطاني ما بين 1471 و1678، تاريخ تحريرها من طرف جيوش السلطان مولاي إسماعيل.
ولكن المدينة ستسقط من جديد تحت نوع جديد من الاحتلال، حيث تآمرت عليها دول امبريالية أوروبية عدة، كان أبرزها فرنسا وإسبانيا والبرتغال وألمانيا، ليتم فرض نظام الإدارة الدولية على المدينة سنة 1925، نظام لم تتخلص منه إلا سنة 1960.
مرور هذا الخليط من الأقوام بطنجة، لم يكن ليتم دون أن يترك بصماته على معمار هذه المدينة ويؤثر في سلوك سكانها وثقافتهم وطرق تفكيرهم وتعاملهم. هذا الجانب من مظاهر طنجة ” الكوسموبولية”، احتل أيضا جانبا من أشغال هذه الندوة الهامة، التي شارك فيها خبراء وباحثون ومتخصصون في تاريخ طنجة، وأيضا إداريون ممارسون لتدبير شؤون المدينة العتيقة، أجمعوا كلهم على ضرورة إعادة الاعتبار للمدينة العتيقة، والعناية بها عبر مخططات علمية تحقق المحافظة على تنوع عمرانها الذي يظل شاهدا على تاريخها وحضارتها والذي يتطلب معالجة علمية توفر الاحتفاظ على خصوصيات المدينة التي تتميز بعمران ذي طابعين معماريين، إسلامي وأوروبي يتكاملان بشكل مثير للانتباه، كما يتطلب صيانة التراث المميز للمدينة العتيقة ، ما دفع المهندسة السيدة هناء البكاري، إلى الصدح بأنها انبهرت بطنجة، وأن “كل شيء جميل” بهذه المدينة التي أحبتها، وانخرطت في العمل الجمعوي لفائدتها ، داخل مؤسسة طنجة المدينة، وهي الوافدة على هذه المدينة من منطقة أخرى، تحقيقا لشعار طنجة، التي “تألف وتؤلف” !
رئيس مقاطعة المدينة، مهد لهذه الندوة بمقدمة أكد فيها أن حماية وتثمين وتطهير المدينة العتيقة، والنهوض بها استجابة لرغبات المواطنين والرأي العام المحلي، عملية تشكل أولوية في انشغالات هذه المقاطعة ، وذكر باليوم الدراسي الذي نظم في السابق حول إدماج ميناء طنجة القديم في عملية تثمين المدينة العتيقة، وباليوم الدراسي حول أمير الرحالة المسلمين، إبن بطوطة ، معلنا أنه بعد مرحلة التشخيص والتحسيس، جاء الوقت للمرور إلى مرحلة التفعيل عبر إعداد توصيات عملية تضع آليات لتنظيم العمل في المجالات الحيوية التي تخص التعمير وإصلاح المباني العتيقة، والمحافظة على التراث، وتنشيط الاقتصاد والسياحة ، وتنظيم السير والجولان ، والنظافة والإنارة العمومية والأمن، وإشراك المواطنين في عملية تثمين المدينة العتيقة، لتضطلع بدورها كاملا في التنمية الشاملة للمدينة والإقليم.
المتدخلون خلال الندوة، عالجوا موضوع إعادة الاعتبار لمدينة طنجة العتيقة من جوانب مختلفة، حسب تخصص كل واحد منهم، حيث شدد بعضهم على أهمية التنظيم العمراني مع المحافظة على خصوصيات المدينة العتيقة بهدف إعطاء المدينة الإشعاع الذي تستحقه في مفترق طرق بحري يعتبر من أهم الطرق المائية بالعالم.
د. عبد اللطيف البريني أكد ضرورة المحافظة على التراث العمراني الذي يشهد حاليا تحولا سريعا قد يفقد المدينة قيمتها التاريخية بفعل التدخلات التي تشوه الطابع المعماري للمدينة وتدهور بنايات ومعالم المدينة، ملاحظا أن معظم الأنشطة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياحية تنظم خارج المدينة العتيقة، الأمر الذي قد يفقد المدينة وظيفتها الأساسية، وطالب بمشروع يوظف السكان والإعلام والمجتمع المدني من أجل حسن تدبير ميثاق المدينة.
إن إشراك السكان في صيانة وتثمين معالم وفضاءات المدينة العتيقة، مشروع اشتغلت عليه مؤسسة طنجة المدينة، عبر إقحام المرأة والطفل في هذه العملية وتنظيم لقاءات تحسيسية مع نساء المدينة العتيقة وخلق فضاءات ثقافية وفنية لفائدة أطفال المدينة لمساعدتهم على تفجير طاقاتهم في مجلات فنية كالموسيقى والرسم. ليبقى هدف هذه المؤسسة هو “مصالحة السكان مع مدينتهم”، كما صرحت بذلك المهندسة هناء البكاري، التي اشتغلت أيضا على مشروع إقحام الميناء القديم في عملية تنشيط المدينة العتيقة.
الجانب السياحي في تثمين المدينة العتيقة، كان حاضرا في معظم التدخلات، حيث وقع التأكيد على خصوصيات طنجة في هذا المجال، وعلى التجهيزات التي تتوفر عليها على مستوى الاستقبال والإقامة، إلا أن السيد ميمون الهلالي الخبير في السياحة، لا حظ عدم وجود تنسيق على مستوى الأنشطة السياحية ، مقدما في هذا المجال، عددا من الاحصائيات التي تظهر هشاشة السياحة في المدينة العتيقة بسبب عدد من المعوقات على مستوى التنظيم والتدبير، وأيضا بوجود اختلالات تخص تدبير المجال الترابي، وغياب الشعور بأهمية إبراز رموز طنجة، في العملية السياحية.
تعقيب من القاعة، نبه إلى أن جودة السياحة في مدينة ما، تعني إن أداء قطاعات أخرى يوجد في حالة جيدة.
محمد اليوبي المتخصص في السياحة الثقافية قال إن مدينة طنجة العتيقة تشهد الكثير من مظاهر الهشاشة وأن شباب هذه المدينة لا يحظون بالعناية اللازمة ، كما أن السكان غير قادرين على مواكبة عملية التثمين، وأن المقترح هو وجود سياسات عمومية ببرامج واضحة، تهدف إلى النهوض بالمدينة العتيقة، مشيرا إلى أنه إذا كانت المآثر التاريخية تشكل كنزا بالنسبة للمدينة العتيقة فإن الطفل، يعتبر ذخيرة للمدينة والبلاد شرط أن يتم الاعتناء به ومساعدته على تحسين سلوكه.
وعن دور الاقتصاد في علاقته مع مجال تنمية المدينة العتيقة، تم تأكيد أهمية الاقتصاد في القضاء على هشاشة المدينة العتيقة وعزلتها والوضعية الاجتماعية لسكانها. وفي هذا المجال اقترح محمد البشير مهدي، مستشار بغرفة التجارة والصناعة والخدمات، خلق فضاءات تجارية من أجل التنشيط التجاري للمدينة العتيقة واتخاذ مبادرات عملية من أجل الترويج السياحي للمدينة، بمشاركة المجلس الجهوي للسياحة والمهنيين والسلطات الوصية.
مداخلات أخرى تحدثت عن دور الثقافة في تنمية المدينة العتيقة وإعطاء رافدة هامة للبعد الاقتصادي والبعد السياحي الذي ينبغي أن يخلص إلى مشروع نموذج لمنتوج سياحي يحافظ على تراث المدينة ويوفر ظروف الفائدة والمتعة للزوار، وطنيين وأجانب، مع توفير ظروف الأمن والسلامة للسياح، وهو ما يصعب الاقناع بوجوده في الوقت الراهن.
الندوة تعرضت كذلك لمشاكل رخص التعمير ورخص النشاط الاقتصادي داخل المدينة العتيقة ، حيث تم الإقرار بوجود صعوبات في التوفيق بين الواقع والقانون ،في حين أن ترميم البنايات الآلة للسقوط بالمدينة العتيقة تعترضه صعوبات قانونية ومسطرية وغموض على مستوى الجهات المتدخلة، الأمر الذي يحتم إيجاد مخرج لهذا الوضع، بالرغم من أن مقاطعة المدينة وضعت تصورا بهذا الخصوص.
وكان طبيعيا أن تتعرض الندوة إلى مسألة ترميم أسوار المدينة، التي تم التصدي لها بقوة من طرف الدكتور محمد حبيبي المحافظ السابق لمتحف القصبة الذي أكد أن الاعتناء بالتراث ينطلق من الاعتناء بالإنسان وأن المباني والمعالم التاريخية تشكل ذخيرة مما تختزنه ذاكرة الشعوب . إلا أن هذه الذاكرة بدأت تندثر بما طرأ على أسوار المدينة من مسخ على يد مقاولة غير متخصصة، عهد إليها بترميم أسوار المدينة ولكنها قامت بعملية حجب “التاريخي” بأسوار جديدة والحال أن ترميم المباني التاريخية يخضع لمبادئ وقوانين حضارية ومواثيق دولية ، لأن الترميم ليس معناه المسخ، وأن البناية التاريخية هي وثيقة تقرأ كأي وثيقة تاريخية ألأخرى.
وقبل ختام أشغال الندوة، اقترح الدكتور اليملاحي الوزاني إنشاء متاحف تؤثث الفضاء الثقافي لطنجة العتيقة وتؤرخ لعبقرية سكان هذه المدينة في شتى المجالات الفكرية والعلمية والفنية، وأعطى مثلا بمتحف ابن بطوطة، ومتحف الدبلوماسية المغربية حيث إن طنجة كانت عاصمة دبلوماسية للمغرب على عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله (1757 – 1790 ) ، ولما فوق القرنين، كما شدد على ضرورة إشراك الجامعة في أي مشروع يخص تنمية المدينة العتيقة ومدينة طنجة بوجه عام.
من جهته، تساءل مراد شريف دورزان عن سبب عدم المطالبة باقتراح طنجة العتيقة تراثا عالميا.
محمد أفقير رئيس مقاطعة المدينة، اختتم أشغال الندوة مستخلصا أن موضوع تثمين المدينة العتيقة موضوع شائك ومتنوع ومعقد، وهو ما توحي به مختلف المداخلات ، مؤكدا أن الغاية من هذه الندوة هو طرح المشاكل من أجل الوصول إلى توصيات عملية وأن مختلف المداخلات التي تقدم بها ذوو الاختصاص تشكل مادة هامة لصياغة التوصيات المرجوة بهدف الإسهام في حل إشكالية التنمية التي تتطلبها طنجة العتيقة ، على مستوى التثمين حتى تستعيد إشعاعها التاريخي ومكانتها المُتَميّـزة…!