ما الذي يجعل الانسان المغربي يبتعد عن قيم التدين كلما تعلق الأمر بشقه الإجتماعي؟…. و متى نقوم بثورة حقيقية للعودة بالمجتمع لحسن الخُلق والسلوكِ القويم؟
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( “حادث الإعتداء ;و أزمة قيم ” )
الأربعـاء 04 أبـريــل 2018 – 13:01:42
وعندما نتحدث عن أزمة الأخلاق والقيم في المجتمع، لا بد من استحضار دور المؤسسات التعليمية، التي كانت تقوم بدور محوري في تهذيب السلوك والتربية على القيم المثلى، لكن الأزمة التي يعيشها قطاع التعليم، انعكست بشكل سلبي على الدور التربوي للمدرسة، حيث كان المدرس يقوم بدور الأب المربي داخل الفصل الدراسي، يكمل الدور التربوي للأسرة، لكن المشاكل الكثيرة التي يعاني منها المدرسون والمدرسات، حالت دون قيامهم بالمهمة التربوية التي كانوا يضطلعون بها، وهذا ما انعكس على سلوك التلاميذ والتلميذات داخل المؤسسات التعليمية وخارجها، وخاصة في المستويات الإعدادية والثانوية، حيث أصبحنا كل يوم نسمع عن تعرض مدرسين ومدرسات لاعتداءات عنيفة من طرف تلاميذ منحرفين، غير مدركين لمكانة ودور المدرس.
وإذا كان الطلب على الدور التربوي للمدرسين والمدرسات أصبح أشد إلحاحا في أيامنا، وخاصة في المستويات الأساسية، فإن توفير الشروط الملائمة التي تساعد على العملية التربوية، يقتضي لشأنها أن تقوم الدولة بتحسين الظروف المادية والمعنوية التي يشتغل فيها رجال ونساء التعليم، وحماية المؤسسات التعليمية من المنحرفين والمجرمين الذين يتعاطون المخدرات أو الذين يروجونها داخلها أو في محيطها، وذلك حفاظا على سلامة وأمن الأطر العاملة فيها، والمطلوب من رجال ونساء التعليم عدم التخلي عن دورهم التربوي، للمساهمة في الحد من الانحرافات السلوكية داخل المجتمع..
لا أحد يختلف حول كون الحوادث الإجرامية وخاصة المتعلقة بالأعراض، والتي ارتفعت في المدة الأخيرة، مردها إلى أن المجتمع أصبح يعيش أزمة أخلاق، وهذا ما يؤكده عدد من الباحثين والفاعلين، حيث يربط بعض الباحثين في علم الإجتماع وعلم النفس، تزايد السلوكات المنحرفة بأزمة القيم والأخلاق، وقد اعتبر أبو بكر حركات، الأخصائي النفسي، في تصريح صحفي ” أن المجتمع اليوم يعاني أزمة قيم وأخلاق، وأزمة تعليم وتوعية، كما يعاني الإنفلات الأمني، إذ بالرجوع إلى حادثة محاولة الاغتصاب الجماعي في حافلة بالدار البيضاء، أو الحادثة الأخيرة لمحاولة اغتصاب قاصر في الشارع العام، نحن بصدد تسيب و«سيبة»، حيث إن التفسير الوحيد لقيام هؤلاء المراهقين و الشباب بأعمال إجرامية أمام الملأ وتوثيقه بالفيديو، هو أنهم يعتبرون أنفسهم في منطقة فوضى وتسيب، ولا يخضعون لأي سلطة سواء مجتمعة، دينية، عائلية، أو سلطة القانون، كما أنه مؤشر على غياب التربية والإلتزام بالضوابط المجتمعية التي كانت راسخة في المجتمع المغربي قبل 30 سنة من الآن”.
إن الدولة رفعت يدها عن القطاعات الإستراتيجية الحيوية، ما تسبب في خلق هذا الصدع الذي تعرفه منظومة القيم، فالمدرسة لم تعد تلعب الدور التأطيري الذي كانت تلعبه سابقا، هؤلاء الشباب ينتمون إلى أحزمة الفقر والأحياء المهمشة، إذ لم يتمكنوا من قضاء الوقت الكافي داخل المدرسة، أو أنهم تلقوا تعليما رديئا لا تتوفر فيه معايير الجودة”.
وبناء على ما ذكرنا، فإن الدولة مطالبة بتحسين جودة التعليم العمومي، وتوفير الشروط الملائمة لأداء المدرسين والمدرسات لرسالتهم في أحسن الظروف، واستعادة دورهم التربوي، دون أن ننسى الدور المهم الأسرة والإعلام في تصحيح الإنحرافات السلوكية، وتجاوز الأزمة الأخلاقية والقيمية التي وصلت إلى مراحل خطيرة، تحتاج إلى حلول شاملة وناجعة، حفاظا على الأمن والسلم المجتمعي.
إن معالجة مظاهر الإنحراف والتسيب الجنسي، لا يحتاج بالضرورة إلى تربية جنسية، كما يذهب إلى ذلك بعض الباحثين، بل إلى تربية أخلاقية إسلامية، وهذا ما يطرح الحاجة إلى رد الإعتبار لمادة التربية الإسلامية في المنظومة التعليمية، لكن التربية الإسلامية السوية و الحديثة، التي تركز على المعاملة و الأخلاق. تلك الأخلاق التي كان يتسم بها أشرف الخلق و من صاحبوه لنغرس القيم والأخلاق في نفوس التلاميذ والتلميذات.
حوادث الإغتصاب المتفاقمة في مغرب اليوم، بقدر ما كانت صادمة ومستفزة للمغاربة، فإنها أعادت النقاشأكثر من مرة حول البنية الأخلاقية والتربوية داخل المجتمع المغربي، وبالتحديد، لدى فئة الشباب والمراهقين، حيث طـرحت العديد من الأسئلة حول دلالات وأسباب الإنفلات التربوي، وهل نحن بصدد انهيار منظومة الأخلاق والقيم لدى هذه الفئة؟ وعلى من تقع مسؤولية هذه الوضعية، هل على المجتمع، أم الدولة أم كليهما؟
هل فصل المجتمع المغربي بين التدين والقيم؟، سؤال فرض نفسه، بعدما لوحظ أن تدين عدد من المغاربة لا ينعكس على معاملاتهم، وبقدر ما هم مقبلون على الصلاة والزكاة والحج مثلا، بقدر ما هم بعيدون عن تمثل القيم. لماذا لاتنعكس مظاهر التدين الأصيل في سلوك المغاربة على معاملاتهم؟ ما الذي يجعل الانسان المغربي يبتعد عن قيم التدين كلما تعلق الأمر بشقه الإجتماعي؟
الأخلاق والدين
إذا كانت القيم تأخذ أفضل ما في الأخلاق، فإن الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمان أثبت دعوى الوصل بين الأخلاق والدين، على خلاف الكثير من الدعاوى الفلسفية التي ترى الفصل بينهما، حيث أكد بناء على حجج متعددة أنهما “موصولان وصلا ضروريا”، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يأت إلا “ليتمم مكارم الأخلاق”، مما يؤكد تأكيدا جازما أن الأخلاق بمعناها الحسن غير منفصلة مطلقا عن الدين بل هي روحه وجوهره.
طه عبد الرحمان يؤكد منذ كتابه “سؤال الأخلاق”، أن “الأخلاق هي التي تحدد إنسانية الإنسان وليست عقلانيته، أي أن “كل سلوك بشري لا أخلاقي يطعن في إنسانية صاحبه، وقد لا يطعن في عقلانيته”، ويشدد على أن “ضرورة الأخلاق فوق ضرورة الحاجات المادية للإنسان، لأن تفويت الحياة مع وجود الأخلاق خير من حفظها مع عدم الأخلاق”.
أساس الإنسانية
وخلص طه عبد الرحمان، إلى أن الأصل في الإنسانية هو “الأخلاقية” وليس “العقلانية”، أي أن الإنسانية أساسها الأخلاق وليس العقلانية، والأخلاق أساسها الدين وليس العقل كما ساد في الفكر الفلسفي الحديث.
تحولات مجتمعية
إذا كان الأمر هكذا، لماذا يعاني المجتمع المغربي المتدين من أزمة القيم؟ جوابا على هذا السؤال قال علي الشعباني أستاذ علم الإجتماع أن السبب في ذلك يعود إلى عدة تحولات عرفها المجتمع المغربي، مست الجانب الظاهري والباطني لعدد من المغاربة، مردفا “أقصد بالجانب الباطني السلوك والعقلية والتفكير”.
و تابع الشعباني، هذه التحولات كان لها عدة آثار سلبية على المغاربة، منها أنها جعلت عددا منهم متقوقعين على أنفسهم ولا يرون إلا غيرهم، هم يعتبرون أنفسهم متدينين ولكنهم حبيسو دائرة مفرغة، ويكفي إخراجهم من هذه الدائرة ليكونوا معتدلين في تصرفاتهم ومتسامحين في غضبهم، ولكن ما داموا داخلها لا يفكرون إلا بأنفسهم، ويعتبرون أن أموالهم كسبوها بعرق جبينهم بالتالي عليهم إنفاقها على أنفسهم دون غيرهم، يضيف المتحدث.
هؤلاء المغاربة المتقوقعون على أنفسهم يقول الشعباني، لا يمكن اعتبارهم غير متدينين، لأنهم يصلون ويزكون ويحجون، حتى أنهم يذهبون للحج مرات عديدة، وللعمرة عشرات المرات، مستدركا، لكن تدينهم يفتقد للقيم مثلا لا يقولون مع أنفسهم أبدا، إن الذهاب للحج تكفيه مرة واحدة، وأموال باقي المرات يتم تصديقها على المحتاجين والمعوزين والمساهمة في أعمال الخير التي تعود بالنفع على الآخرين.
من المؤكد إذا أن لهذا النمط من التدين، (تدين بلا قيم) مخاطر كثيرة جدا على المجتمع المغربي، تهدد تماسكه وقوته، وتجعل كل فرد متقوقعا على نفسه بتعبير الشعباني، مما يعمق الأنانية والفردانية والذاتية، وعدم التراحم والتآزر والتعاطف، كما أن أزمة القيم التي يعاني منها المجتمع المغربي، تفرز الكثير من الأمراض الإجتماعية منها العنف ضد النساء، فبعد واقعنا على هذه القيم يحتاج منا الوقوف بشكل جدي وفي إطار نقاش مجتمعي مسؤول، حول الأسباب التي أدت إلى ذلك، لكي نلامس حلولها في إطار تضافر جهود الجميع، حتى نستطيع الخروج بمجتمعنا إلى واقع أفضل”.
قال الرسول صلى اللّه عليه وسلم: «إنَّ أقْرَبكُم منِّي مجلساً يومَ القيامة أحسنُكم أخلاقاً» سؤال: متى نقوم بثورة حقيقية للعودة بالمجتمع لحسن الخُلق والسلوكِ القويم؟ متى نمشي مطمئنين على أعيننا ومسامِعنا وضمائرنا؟ على كلٍ منَّا أن يتبنى قضية نشر الأخلاق والفضيلة بين أبناء مجتمعه، وليبدأ كل أمرئ بنفسه! أسرع ولا تتباطأ! فالقطار سريع ولا وقت لبطيء أو متكاسل، اللهم حسّن أخلاقنا وأصلح قلوبنا وعيوبنا ووفقنا لما يُرضيك…