التفكك الأسري، اللقطاء وأطفال الشوارع، إرتفاع نسب الطلاق، الإدمان بين أفراد الأسرة الواحدة، أسر غارقة في التطرف الديني،….. كلها ظواهر تجعل من مجتمعنا مجتمعا منحلا فكريا و دينيا و أخلاقيا
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( التفكُك الاسري ونتائجه على المجتمع )
الأربعــاء 11 أبريــل 2018 – 12:29:30
التفكك الأسري
لعل هذه الظاهرة تقف من ورائها جملة من الأسباب، يمكن إجمالها في انسداد آفاق الشغل وتضاؤل فرص العمل، إلى جانب شيوع الإستعمال المفرط واللامشروع لوسائل التواصل الإجتماعي وسط كل من الآباء والأمهات والأبناء على حد سواء.. وأضحت العلاقة الأسرية بينها هشة ومعطوبة، سرعان ما تفضي إلى الطلاق والإنفصال السريعين.
وتشهد محاكم الأسرة سنويا قضايا لملفات تصل إلى أكثر من 1500 ملف، عدا الحالات التي يطويها الكتمان والتجاهل والضياع، يظل الأطفال أبرز ضحاياها.
اللقطاء وأطفال الشوارع
تداهمنا كمارّة بشوارع وأحياء وساحات المدن الكبرى فيالق أطفال، تتراوح أعمارهم من 10 إلى 16 سنة عراة.. حفاة.. تتمدد أعينهم وأياديهم إلى مرتادي المقاهي والمطاعم، أعين بعضهم متورمة بفعل السهاد والتعاطي لشم السموم.. يحكمهم في تحركاتهم قانون الغاب، كبيرهم يسطو على صغيرهم، حاولت العديد من “الجمعيات الخيرية “إيواءهم.. لكنهم يجدون في الخلاء مرتعهم المفضل لممارسة طقوسهم، وأحيانا يتحولون ليلا إلى أدوات طاعنة لاعتراض سبيل المارة، أو إشباع نزوات بعضهم الشاذة!
ويتساءل الباحث وهو يتأمل جموعهم هذه: أين هي الأنثى؟ طبعا الجواب هنا يحيلنا على أحد الإتجاهين إما السقوط في مهاوي الدعارة المبكرة أو العمل المنزلي تحت شروط قاسية.
إرتفاع نسب الطلاق
هذه الظاهرة هي من النتائج الحتمية للتفكك الأسري، فبمقارنة بسيطة بين ما كانت عليه أرقام الطلاق قبل ثلاثة عقود وما أصبحت عليه الآن نجد أنها تضاعفت عشرات المرات، نقف على هول هذه الظاهرة وتؤكدها الأرقام ولو أنها نسبية أن الزيجة الواحدة (زوج وزوجة …) لا تعمر أكثر من سنتين، إذ سرعان ما تدب إليها أسباب الإنفصال، وهي من التنوع والتعدد، حيث لا يمكن حصرها في عامل أو أكثر، وإن كان جانب العنف المادي والمعنوي هو الطاغي كمؤشر رئيس في حمل الزوجة خاصة على طلب الطلاق… على أن جانب الخيانة الزوجية حاضر بقوة في هذه الظاهرة، فضلا عن تقاعس الزوج عن إعالة الأسرة.
الإدمان بين أفراد الأسرة الواحدة
في عشر سنوات الأخيرة لوحظ تعاطي الشباب المغربي وبكثافة إلى المخدرات الصلبة، وصلت ببعضهم إلى درجة الإدمان وهم أزواج أو زوجات.. فتلحق الأسرة جراءها تصدعات في شكل شقاق دائم أو اعتداءات متكررة تصل حد الضرب المبرح وأحيانا القتل، كما يفضي ببعض أبنائها المدمنين إلى أمراض عقلية، تركن بهم إلى زوايا مظلمة داخل المنازل، أو تجنح بهم إلى الشارع وفيالق المفقودين..
أسر غارقة في التطرف الديني
تشيع هذه الظاهرة بين شباب منغلقين على أنفسهم ومتقوقعين داخل “منظومة” من القيم الدينية المتطرفة، في شكل تعليمات صارمة تصدر لهم من الآباء أو بعض شيوخ السلفية.. تخصهم في سحناتهم وأساليب تعاملهم ومواجهتهم لمظاهر الحياة، تعليمات لا يجدون عنها محيصا، وأحيانا تلقن إليهم منذ وقت مبكر فيشب الفتى مشبعا بأفكار ورؤى ضيقة، ينظر من خلالها إلى الآخر كعدو يجب تحاشيه أو تصفيته، أما الفتاة فتصطدم لا محالة في غدوها ورواحها، بقيم إجتماعية على النقيض مما تحبل به أسرتها، تفرض عليها عزلة قاسية وسط الشباب والشابات، تفضي بأكثرهن إلى الإنفجار والبحث عن سبل التآلف والإندماج والتوافق ولو من وراء ستار.
التعاطي للدعارة منذ وقت مبكر
الدعارة بالمغرب أصبحت سوقا إقتصادية رائجة، تنشط خاصة بالحواضر الكبرى، وتستقطب لها فتيات في عمر الزهور تحت الطلب، وأحيانا تحت قسوة الفقر، وانسداد آفاق الشغل، أو محاولة تحرير أسرة من مخالب الفقر والضياع، فهناك نسبة كبيرة من العاهرات ـ المنحدرات من أوساط فقيرة واللائي لم يسبق لهن أن ولجن المدرسةـ تجد في انغماسها الدعاري وسيلة سهلة للإرتزاق، أو انضمامها إلى شبكة دعارة تغطي مناطق واسعة داخل المغرب وخارجه، وإن كان المشرع المغربي ما زال يرى في هذه الظاهرة جانبا مخلا بالأخلاق العامة والذي يستوجب العقاب، بخلاف دول أخرى احتضنت الظاهرة كمورد إقتصادي تتعهده بالتنظيم والمراقبة.
العزوف عن الدراسة أو الهدر المدرسي
إنتشرت في الأوساط الأسرية المغربية، إلى عهد قريب، ثقافة محبطة ترى ألا جدوى من “دراسة” تفضي بصاحبها إلى الشارع، أو في أحسن الحالات إلى تلقي حصصا في العصا بالنسبة لأصحاب الشواهد، تنهال عليهم بلا رحمة من لدن السلطات.
هذه الثقافة أثرت في عزيمة معظم الأسر، فيضربون عن تسجيل أبنائهم في المدارس، وفي أفضل الحالات يغادرون صفوف الدراسة في وقت مبكر، وهو ما يسجله الهدر المدرسي من نسب جد عالية سيما في المناطق القروية.
على أن هناك جانبا إقتصاديا حاضرا، كثيرا ما يحمل الأب على العجزعن تسديد الرسوم المدرسية إذا تجاوز عدد أبنائه المتمدرسين 3 أو 4 .. هذا عدا قناعة عامة لدى معظم الآباء بأن التعليم العمومي أفلس وأصبحت المدرسية العمومية فقط مؤسسة لتزجية الوقت!
اختطاف الأبناء واغتصابهم
وإن لم ترق حوادثها إلى ظاهرة بالمعنى العلمي، فهي موجودة وبحالات تقع بين الفينة والأخرى، وتمس الأطفال الصغار سيما في الأوساط والأحياء الشعبية، وفي أحزمة المدن خاصة.
إنفلات مراقبة الأبناء
نعايش زمنا يتميز بظهور الإبن المدلل الذي لا تمارس عليه أدنى شروط المراقبة والتوجيه والتحذير والتنبيه… سيما إن كان وحيد أبويه أو ذكرا وسط مجموعة من الأخوات، هذه الظاهرة تفضي إلى تعدد وتجدد حاجيات هؤلاء الأطفال إلى درجة تدفع ببعضهم إلى الإحتيال عليها وانتزاعها من أبويه بوسيلة أو أخرى …
اقتراح وصفة/جرعة سوسيوبيداغوجية
من المؤكد أن مثل هذه الظواهر وغيرها تؤدي إلى كوارث إجتماعية لا يمكن التكهن بحدودها ولا بدرجات خطورتها، فهي في النهاية تقود أو تغذي مجتمعا بألوان شتى من الأمراض… لعل من أبرز تمظهراتها وجود مجتمع متفسخ وهمجي، في سلوكاته ومواقفه، ويصعب على أي شخص سوي أن يندمج فيه أو يتعايش بين أفراده .
لذا وجب، وتحاشيا لهذه المزالق ورفعا من ضغوطاتها، الوقوف مليا عند إنشاء محطة جديدة للإنطلاق في إعادة بناء الأسرة المغربية وفقا لضوابط أخلاقية وحضارية، وتقام لهذه الغاية مؤسسات اجتماعية مرافقة، يعهد إليها باستقبال الأسر ومنحها جرعات تربوية مقوية من حيث الإنجاب والرعاية والتوجيه والمراقبة.. كما يجب على السلطات المغربة، هي الأخرى، مساهمتها في هذا الصرح بتدخلها في مكافحة آفة المخدرات من جهة وفتح آفاق الشغل، وإعادة النظر في إنشاء تعاونيات نسوية منتجة تستقطب لها الفتيات من جميع الأعمار بدل غض الطرف عن سقوطهن في مصائد الرذيلة.
هذه باختصار أهم الظواهر الإجتماعية التي يتخبط فيها المواطن المغربي، و التي لا يرى لها حلا و لا أفقا منيرا، سوى ظلام دامس يهدد سلامته و سيرورة عيشه في بلادنا، هذه البلاد التي أصبحت للأسف مرتعا للإنحراف الأخلاقي و الديني و الإجتماعي، دون تدخل جدي من المعنيين بالأمر، ما يجعل منها بلادا تسودها العشوائية و الإجرام و عدم الشعور بالأمن و الأمان…