محمد العطلاتي
جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( التسوُّل)
الخميــس 15 مـارس 2018 – 14:20:14
لعلّ الراصدَ تاريخَ التسول في بلاد المغرب الأقصى، يقف مشدوها و هو يلحظ ما صار إليه هذا “النشاط الإستجدائي”، و كيف تطور ليصبح قطاعا ضخما يحقق رقم معاملات قد يفوقُ ما تحققه المقاولات الذاتية مجتمعة بكثير.
لقد صار التسول عندنا مهنةً حقيقية و حِرْفة معتبرة، تُدِرُّ دُخولاً لا عِلْم لإدارة الجبايات بها، و هذا ليس سِرَّا تعجز العين عن إدراكه و بلوغه، فــهو مشْهور و معلوم، و مُتاح للجمهور و العموم، إلا أن الجديد فيه يبدو جليا بغير التباس، واضحـا دون افْتِـحـاص. فأيْنما ولّيت وجهك استقبلتْك أسرابُ المتسولين ببشاشة، و حيْثما حللْتَ بادَرَتْكَ جُموعُ الشّحّاذين بالمَسْأَلَة، حتى حقَّ فيها قول الشاعر :
اتّخَذت بيوتَ الله دارَ مَقـامها ….. لكنْ تراها للقُرى مُرتادَة
لكنهم، رغم اتساع قاعدتهم و تعدُّد جماعاتهم، لا يجتمعون على شكل أو طريقة و لا يتَّحـدون على مذهب أو سُنَّة، فقد أبـدع هؤلاء في اتخاذ الوسائل و اعتماد الحيَل، حتى إن المرء يقعُ في حــيرةٍ من أمْرِه و إشكالٍ في شأنه، فأنت ترى الصبيان و الولدان، و الكهول و الشبان، و الذكـور كما النِّسوان، و ذوي الأسمال المهترئة كما لابِســي الكِسوات الجميلة، حتى إنك لتنبهر من قدرة هؤلاء القوم على التحايل و الظهور بمظاهرَ مُختلفة و صُورٍ متناقضة، فذاك يصطنع اللباقة و تلك تمثِّلُ دوْرَ البراءة، و آخر يدَّعي وقـوعه في ورطة مُدبَّرة و تلك تزعُم إصابتها بعلَّة مُبْهمة، و ذاك يتحلى بأحسن زينة و يتعطَّرُ بأزْكى عِطْرٍ و رائحِة ليوقع في شباكه أسمن ضحيَّة،أما بعد أن فتحت الحدود و انتفت القيود، فقد صارت ضواحي الحاضرة و مراكزها قبلةً لأصناف و أجناس !
لعل الباحثَ في مسائل “المسألة” و المُنقِّبَ في أحْـوال الشِّحاذة و الفـاحص أهلَ هذه العادة الممنوعة و مُحْترفي هذه البِدْعة المُحرّمة، يقف على حقيقة الواقع المُضَلِّل و كيف يحيا هؤلاء المرتزقة خِفْيةً في بذخ لا يُعْرف، و كيـْف “ينْعَمُ” هؤلاء السَّفَلة بموائدَ لا تُحَـدُّ و لا تُوصَف، حتّى حقَّ فيهم قـولُ الشّاعـر:
وضَعوا الموائدَ كالجبالِ تخالُها ….. تكْفي لجيشٍ جاعَ فيه القادَة.
لقد اختلط الحابل بالنابل، كما قالت العرب قديمًا، و لعلَّ الوقت قد حان لينظر الناس في وسائل تمنع عنهم الوقوع في حيل المتسولين و ألاعيب الشحّـاذين، ولعل إيتاء الصدقة، كفرض ديني و سنة محمودة، يستحسن أن تكون لمن لا يطلبها جَهرا أو خِفْية، فهو الأولى بها لأن عِزته تمنعه….