متى تشرق شمس العرب من جديد؟
جريدة طنجة – م.ب.السـوسـي ( “العرب” )
الثلاثاء 13 مــارس 2018 – 12:30:09
ــ بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل …
ـ وجاء من يقيم اللات والعزى ومناة الكبرى من جديد.
وأصبحنا فعلا من مشارق الأرض إلى مغاربها تلك الطفيليات والبقايا والأشلاء التي يجرفها السيل العرمرم، والتيار الجارف إلى حيث الأمواج والبحر أو إلى العدم، ورغم أننا نملك خزائن الأرض فإننا أضعف وأوهن من بيت العنكبوت، وتمردت علينا وتغولت عصابات جمعت أشتاتا من أصقاع الأرض فصارت ماردا يبتلع كل يوم آلاف الأفدنة والهكتارات، يشرد سكانها، يغتصب أرضها ويتنمر على من حوله فلا يجدون إزاءه حولا ولا قوة.
أخيرا، وقد وعجز العرب عن استرداد حقوقهم لجؤوا إلى ما يلجؤون إليه دائما فاجتمعوا وقرروا وأوصوا وضربوا بقبضات أيديهم على الطاولات مهددين متوعدين وهم أعجز من مصارعة كبش، ثم اتجهوا لمجلس الكبار الأسياد طالبين المدد، في حين بحث حناجر الجماهير المتعبة المنخورة بالصراخ وهي تدري أنها ستكون مجرد عناوين باهتة في نشرات الأخبار، لاغير ولا أقل ولا أكثر، فالعملة تمضي، والأيام تستحق المزيد من الكرامة العربية والأمور ستكون كما قدر لها أن تكون، أو كما أرادت لها قوى البغي والعدوان أن تكون، وهكذا مضت القدس إلى مصيرها وهي متلفعة بالسواد وتتلوها هزائم أخرى تراكم سجل العروبة الميتة، وبما أن الفشل قدر محتوم بعد أن سلمت الأمة قيادها لغيرها فقد دخلوا باب التطبيع ومنهم من يتبادل التحايا والصفقات من تحت الطاولة، وعبر القنوات بالقول والفعل ويمارس البيع والشراء في سوق النخاسة والعبودية على مرأى الجميع. فمن يرقص لا يخفى وجهه.
أخيرا رقص نتنياهو منتشيا وهو يتخلص من فائض غاز باعه لمصر العربية في صفقة بلغت 15 مليار دولار، وها هي دول أخرى في المشرق العربي، في الخليج تصرح علانية أن العدو الأول هو إيران وليست إسرائيل التي ترضعها حلمة الولايات المتحدة الأمريكية حليبا مصفى أصله وفصله وأساسه دول العرب التي أصبحت حليفة وصديقة ، ويمضي الخذلان إلى مداه البعيد، فيتحول المشرق العربي إلى خريطة جديدة بدأت ملامحها تتضح تدريجيا، فهم يريدون للعرب موتا بطيئا كما فعلوا مع ياسر عرفات وليس موتا سريعا فوريا، هي تراجيديا تمضي إلى تحقيق أهدافها ببطء، وتطبخ على نار هادئة حتى تنتج واقعا موضوعيا ومنطقيا وقانونيا ومقبولا، ورغم ما يهدد المنطقة من تقسيم وتفتيت وتشرذم وطائفية فإن العرب في واد آخر.
ومن مهازل الصدف أو قل من ذيول الخيبة، وبعد 14 قرنا من نداء “قل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا” نداء صدحت به السماوات والأرض، وتجاوبت معه الحجارة والأشجار والأفلاك، وحطم الأصنام والطواغيت، والآلهة المصنوعة، بعد هذا جاء من يقيم اللات والعزى ومناة الكبرى من جديد، فأقدمت دولة خليجية على بناء معبد هندوسي مع آلهة مذهبة تقف في مدخل المعبد وداخله، فانتصبت الأصنام من جهة بعد زمان الهداية والإيمان، نبتت الجاهلية فجأة في بلاد الإسلام فحركت الأشجان والمواجع والفواجع، ولو قدر للملايير التي أنفقت في إقامة المعبد أن تأخذ طريقها لبلد إسلامي فقير ولنأخذ مثلا بنغلاديش لكان الفضل والخير أعم، ولتم إطعام مهاجري نيمنار. ولصدقت مقولة الرسول صلى الله عليه وسلم : “المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، أما أن تذهب هذه الأموال في إقامة الأصنام، وإحياء جذور الجاهلية فهذا ما لا يقبله مسلم غيور، وهذا ما يكرس لمدى ما وصله المسلمون الأغنياء من جهل وتخبط وبعد عن المحجة البيضاء.
مظاهر الانحدار والخزي العربي أكثر وأكبر وأوسع من أن تعد أو تحصر لقد ابتلانا الزمن بأخوة بغيضة وبأخوة أعداء في كل مكان، وبجوار مليء بالأحقاد والضغائن، فلم يعد يشفع لنا دين ولا لغة موحدة ولا تاريخ مشترك ولا جوار ملتصق ملتحم حينما انطلقت شرارة الحقد والعداء، وفي أكثر من جهة واتجاه في مشرق الأرض أو مغربها أصبح الجوار نقمة رغم كل هذا الزخم من عوامل الالتحام والاتحاد، إلا أن عوامل تعرية أخرى حطمت هذا الزخم فلم يعد لدين ولا لغة ولا لتاريخ، أثر وضغط على أمة تشتت شملها، وتشرذم جمعها، وتمزق صفها وناصب بعضها العداء بعضها الآخر فسعى الجميع إلى الإفساد، وإلى التناحر، والتنابز بالألقاب، وتجريد السيوف، وتعبئة الطاقات، إلى جوارنا أيضا قوم منا أصابتهم لوثة العداء المجاني، ونسوا روابط الدم والقربى والكفاح المشترك من أجل طرد المستعمر وناصبونا العداء، وفجروا كبتهم وفشلهم في وجوهنا، طردوا إخوانا لهم في عتمات الليل، عراة حفاة، في فيافي الأرض، ولا ذنب لهم إلا أن يقولوا ربنا الله، ووطننا المغرب، وهاجسنا الوحدة،ودمنا هنا وهناك، وبعد الظلام الصحو فمتى تشرق شمس العرب من جديد؟ .