عبثية
جريدة طنجة – عزيز كنــوني ( المنزه)
الخميـس 29 مــارس 2018 – 17:59:57
ذلك أن العديد من تصرفاتنا تصرخ ب نظرية العبث الذي يُعرفه بعض الصوفية بأنه حالة يكون فيها وجود البشر في الكون غير منطقي ولا معنى له.
ومن العبث ما حصل في قضية فندق المنزه الذي وقع التعامل “الرسمي” معه وكأنه فندق من فنادق “الكوكوت مينوت” التي شيدت بقروض سخية من المال العام استفاد منها بعض الصفوة من المحظوظين.
أيامها كانت قد مرت عقود على وجود فندق المنزه بطنجة الذي شيد قبل بداية ثلاثينات القرن الماضي من طرف نبيل بريطاني، لورد بيل الذي أسس شركة “ريستينتيكا” واقتنى عددا كبيرا من القطع الارضية ما بين المدينة وساحة فرنسا عبر شارع الحرية الذي كان يحمل اسم “شارع النظام” (الدولي) حيث تم بناء فندق المنزه على الواجهة البحرية قبالة السواحل الأوروبية، وفق هندسة مغربية أندلسية أخاذة، جعلت منه قبلة لإقامة العديد من الوجوه البارزة في عالم السياسة والثقافة والفكر والفنون من أوروبا والعالم. ولا زالت جنبات هذا الفندق البديع تحكي قصصا مذهلة من إقامات المشاهير التي كانت تستهويهم مدينة طنجة بجمالها وسحرها والأساطير التي نسجت حولها كمدينة ”كوسموبوليطانية” كانت طرفا في النزاعات الكبرى حول السيطرة على بوغاز جبل طارق !
العبث الفاضح هو الطريقة التي تم التعامل بها مع هذه المعلمة التاريخية التي تشكل جزءا من ذاكرة المدبنة وأهاليها ومأثرة من مآثرها حيث إنه لا يمكن الحديث عن طتجة دون الحديث عن فندق المنزه ! وحيث يبدو أن “الرسميين” محليا ووطنيا تعاملوا مع هذا الفندق وكأنه فندق من فنادق “السي إي آش” يوم كانت الدولة مجبرة على التدخل المباشر لحث مغاربة الداخل على بناء الفنادق تأسيسا لسياسة وطنية في عالم السياحة.
وبينما كنا ننتظر أن يدفع المغرب إلى تصنيف فندق المنزه “تراثا وطنية” حلت به “لجنة” من لجان “السياحة” لتسجل “اختلالات ” قيل إن مدعوين لحفل علوي تقدموا بها لمن يعنيهم الأمر فتقرر سحب “نجمتين” من نجومه الخمسة ليوضع في تصنيف “البينسيونات” الاسبانية مع إلزام بتصحيح تلك الاختلالات في مدة خمسة عشر يوما وإلا تعرض للإغلاق النهائي.
يجوز أن يشهد هذا الفندق نوعا من “العيوب’ التي يفرضها توالي السنين و الأعوام، أو يتسبب فيها دخول “غرباء” للمؤسسة، وهو ما حصل بعد أن الإنزال العراقي الكبير في راس مال “الريستينتيكة” وحصول شنآن بين مدبري الفندق، كما قد يكون حصل في غير “منزه طنجة” ولكن “منزه طنجة” يعتبر “صرحا” ومأثرة سياحية مغربية بامتياز كان ينبغي التعامل معه وفق الاعتبار الذي يتمتع به على المستوى الوطني والعالمي نظرا لارتباطه بشبكات سياحية وفندقية عالمية ولكونه يعتبر واجهة سياحية وطنية عالية، وليس عن طريق تخفيض التصنبف والتهديد بالإغلاق النهائي في ظرف خمسة عشر يوما.
كان على وزارة السياحة أن تجتمع إلى مسيري الفندق وتستمع إليهم وتساعدهم على تجاوز ما اعتبرته لجنتها ‘اختلالات”حفاظا على سمعة الفندق و دون التشهير بهذه المعلمة التاريخية الشهيرة، التي تعتبر واجهة من واجهات السياحة الوطنية ، و دون النيل من سمعتها و “بريستيجها” العالمي.
إلا أن التهديد بالإقفال لم يصحبه “حرص” الجهات المهددة على صون حقوق العمال الذين تم الزج بهم في الشارع كما يدعون ، حتى دون”إخبار” النقابات التي تمثلهم بالإغلاق من أجل الإصلاح الذي لم تحدد مدته. فهل نفهم من هذا أن الذي يهم المسؤولين المحليين والوطنيين هو “إصلاح البناية” ليس إلا، بينما يتعرض عمال الفندق للتسريح العشوائي وللبطالة والتشرد؟..