تكريم المرأة بين الإفراط والتفريط
جريدة طنجة – عمر محمد قربـاش ( المرأة )
الخميــس 15 مـارس 2018 – 14:20:14
وكلما اقتربَ هذا اليوم، إلا وكَثُرَ الحديث عن حقـوق المرأة ومستقبلها، عن معاناتها ومآسيها، وكل ذلك بغرض تكريم المرأة والاحتفاء بها في ذلك اليوم. فإن كان لا بد من مناسبة لبيان قيمة المرأة وضرورة العناية بها، والاعتراف بأدوارها، فلتكن في كل أيام السنة ، فهي لا تحتاج منا نحن إلى يوم نتذكر فيه حقوقها، بل المرأة تحتاج منا في سائر الأيام ألا نغفل ولا ننسى حقوقها وواجباتِنا تجاهها، لأن لحظات الزمن لا يمكن أن تستمر إلا بوجودها، بل لا صلاح للكون كله إلا بصلاحها.
لأن المرأةَ عليها تقع مسؤولية تربية الأبناء والبنات ، الذين هم عماد المجتمع وشباب المستقبل ، فإذا اعتنت المرأة بتربية أولادها، وربَّتهم تربية صحيحة سليمة ، شبُّوا أفرادًا صالحين في مجتمع صالح ، وإلا كانوا وبالاً على مجتمعهم، وسببًا من أسباب فساده وانهياره.
فالمرأةُ في دين الإسلام هي تلك الإنسانة التي أكرمها الله وشرّفها، فهي في أعلى مقامات التكريم أمّاً كانت أو بنتا أو زوجة أو امرأة من سائر أفراد المجتمع، فقد اعتنى بها الإسلام أجملَ عناية وأتمَّ رعايةٍ وأكملَ اهتمام، وأكّد على مكانتها وعِظم منزلتها، أعطاها حقوقها كاملة ، وجعلها في مكانة عالية، فجعلها مكلفةً بالعمل الصالح مثل الرجل، ومحاسبةً عليه، فإن أحسنَتْ أُجِرَت ، وإن أساءت وقصرت أثمت، قال تعالى( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ، وبين للرجل وللمرأة أن كلاً منهما في حاجة للآخر، كما بين للمرأة أنها جزء من الرجل ، وأن الرجل أصلها، وأن المرأة لا تستطيع الحياة الجميلة دون الرجل ، فهي أحوج ما تكون إليه كما يحتاج الفرع إلى الأصل(هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) ، والرسول صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الرجال والنساء فجعل لها حقوقاً ، ورتب لها أحكاماً ، ويوضح هذا صلى الله عليه وسلم في جملة بلاغية أنَّ النساء يُماثِلن الرجال في القدر والمكانة ، ولا ينتقص منهن أبداً كونُهنَّ نساء، فيقول صلى الله عليه وسلم ( إِنَّما النِّسَاء شَقَائِقُ الرِّجَالِ ).
فقد رعى الإسلام حقَّ المرأة وأوجب إعادة الاعتبار الكامل لها أمَّا وأختاً وزوجاً وبنتاً، نسباً، ومصاهرةً، بل ورضاعة، مهما كانت مستضعفة في نظر المجتمع، وذلك بتأكيد كرامتها بالنصوص الشرعية، والأحكام التشريعية. ويدل لهذا جميع النصوص الواردة في بيان حق الأم، وحق الزوجة، وحقوق البنات، وغيرهن من النساء المتصلات بنسب أو مصاهرة أو رضاع، قول الله عز وجل في عظم شأن الأم( ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرها ووضعته كرها) ، ويكفينا القصة المعروفة حين جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: ((أمك)) قال: ثم من؟ قال ((ثم أمك)) قال: ثم من؟ قال ((ثم أمك)) قال: ثم من؟ قال ((ثم أبوك))؛ وهكذا النصوص الواردة في فضل البنات ورعايتهن، وفي الحث على الإحسان للزوجة والتركيز على الجوانب الإيجابية في حسن العشرة، كما أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالنساء فقال(أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا، وخيارُكم خياركم لنسائه).
وأثبت لها الإسلام ذِمَّة ماليَّة مستقلَّة تمامًا كالرجل؛ فلها أن تبيع وتشتري، وتستأجر وتؤجِّر، وتوكل وتهب، ولا حجْر عليها في ذلك ما دامت عاقلة رشيدة.
لقد أراد الإسلام من تشريع هذه الحقوق وغيرها وتأكيدها في حق المرأة لتكون مثالاً للطهر والعفاف؛ فتكون زوجة صالحة ، وأما واعية لدورها وواجبها، كما أراد أن يجعل منها شخصية ذات قيمة في المجتمع وذات هدف وذات غاية نبيلة.
إن قضية المرأة ضاعت بين الإفراط والتفريط ، ككثير من قضايانا الفكرية والاجتماعية الكبرى ، أضاعها الغلو والإفراط من ناحية وأضاعها التسَيُب والتفريط من ناحية أخرى، ومن قديم اختلف الفلاسفة والحكماء والشعراء في قضية المرأة ، حتى قال بعض الحكماء: المرأة شر كلها وشر ما فيها أنه لابد منها ، ومستحيل أن يخلق الله شراً كاملاً ثم يكون هذا الشر لابد منه ، هذا ضد القرآن وضد السنة ، كما شاعت نظرة دونية مؤسفة للمرأة في كثير من البلاد، وهذه النظرة ليست من الإسلام في شيء ، ضاعت قضية المرأة بين المفرِطين والمفرّطين، هناك المفرطون الذين أرادوا من المرأة المسلمة أن تتبع المرأة الغربية شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، لا يريدون لها أن تحتفظ بشخصيتها الإسلامية ، بقيمها، بشريعتها ، بضوابطها، وإنما تتسيب وتخرج وتكون وسيلة رخيصة لنشر الرذيلة ومحاربة الفضيلة كما أراد لها الغرب وبعض منافقي هذه الأمة ، الذين استخدموها كسلعة تجارية لكسب المال، وهدموا بذلك الأسرة والسكينة في كثير من المجتمعات، هذا صنف، وصنف آخر يريد أن تظل المرأة حبيسة البيت لا تخرج منه ، حتى إن بعضهم قال إن المرأة الصالحة لا تخرج من بيتها إلا مرتين ، مرة من بيت أبيها إلى بيت زوجها ، والأخرى من بيت زوجها إلى قبرها، عجيب، مع أن القرآن يجعل الإمساك في البيوت والحبس في البيوت عقوبة للمرأة الزانية ، كانت عقوبة في أول الإسلام حتى أقرت الحدود واستقرت الأحكام ، وهذا والله ليس من الإسلام في شيء ، إنها غلبة العصبيات والتقاليد العمياء التي قضى عليها الإسلام ، أما التعاليم الإسلامية الصحيحة فتطلق المرأة لتعمل جنباً إلى جنب بجوار الرجل، ولكن بشرط أن تتخلق وتلتزم بأدبيات وأخلاقيات الإسلام ، نحن لا نرفض أبداً أن يكون للمرأة دورها في السياسة، ودورها في التنمية بل هذا هو الذي يجب شرعاً ويجب ديناً ، نحن لسنا أمة متسيبة ، نحن أمة لها شرع ، ولها دين ولها رسالة ، فلابد أن تكون حركة المرأة كحركة الرجل منضبطة بالمرجعية الإسلامية ، ليست مرجعيتنا تلك التي تريد أن تلغي جميع أشكال التمييز بين الرجل والمرأة حتى ما جاءت به القواطع الشرعية ، إننا لنأسف ونُرثي لحال أولئك الذين لا يعرفون عن الإسلام شيئا وهم يناصبونه العداء، نُرثي لجهلهم ونرحم حالهم وشقاءهم.
المرأة ما أهانها وما ظلمها وسلبها حقوقها وحريتها إلا هؤلاء الذين يريدونها سلعة تُمتهن وتُهان، فإذا انتهت مدة صلاحيتها رموها كما تُرمى القُمامة، وما ظُلمت المرأة في بلاد المسلمين، إلا بسبب ابتعاد المسلمين عن تعاليم دينهم وتشبتهم بتعاليم وتوصيات من لا يرقبون في أمة الإسلام إلا ولا ذمة.
لا تحكموا على الإسلام ولا تحاكموه من خلال تصرفات الأشخاص ، اقرأوا عن الإسلام من مصادره الموثوقة المعتدلة ، فنصوص الكتاب والسنة كرَّمَتِ المرأة تكريما لا مثيل له في أيِّ تشْريعٍ، وهذا ما أكدته امرأة أميركية باحثة قالت: أنا دخلت الإسلام من بابٍ واحدٍ، فلما سألوها عنه، قالت: قرأت القرآنَ كلَّه، ولم أجدْ في أيِّ كتابٍ آخرَ، لا في الإنجيلِ ولا التوراةِ ولا كتبِ الدياناتِ الكبرى، لم أجد فيها نصًّا في أيِّ مكانٍ منها يقول “إن المرأة خير كثير ” إلا في القرآن الكريم، قال تعالى) وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } …