محمد العطلاتي
جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( الثــروة )
الثلاثــاء 20 مــارس 2018 – 11:34:35
على امتداد مرحلة تزيد عن نصف قرن من الزمن السياسي لما بعد الاستقلال، الذي دأب اليسار على نعته بالشكلي، عرف المغرب محطاتٍ نضاليةً زاخمةً، بدءاً من أواخر خمسينيات القرن المنصرم وصولا إلى العشرية الثانية من القرن الحالي، و مرورا بمحطاتٍ انقلابية أكـثر ضراوة كادت تعصف ببِنْية نِظـامِ الحُـكْم.
خلال تلك المحطات “النضالية” جَميعِها، بَدَا أنَّ الصراع كان يحتدم لدى البعض بشأن امتلاك ” السلطة”، لكن ليس باعتبار هذه السلطة أداةً لإدارة الحكم و ممارسته، و تحقيق وظائف الدولة الرئيسة، بل باعتبارها أداةً “عَصْرية” لحماية امتيازات “الثروة المكتسبة”؛ أما بالنسبة لآخرين، فقد “ناضلوا” من أجل بلوغ السلطة بالنظر إليها وسيلةً فعّالة تضمن الترقي و التقدم في “مسيرة السطو على الثروة “؛ هؤلاء أنفسهم سيصيرون مع مرور الوقت خُدّاما لـــ”الدولة”، غايتهم “السامية” هي إعـادة استثمار السُّلطة من أجل حماية الثروة المسروقة .
لقد حاولت القـوى السياسية، التي كانت توصف بِــــأنها “حَـيَّة”، التَّعْبيرَ عن إرادة تَحْديث أركان الدولة، القائمة على أسس فكرية تقليدانية، لكنها، بسبب التخلف الفكري الرائج، كانت تفشل كل مرة، تارة بسبب القمع، و في مَرّاتٍ كثيرة بسبب وقوع القوى ذاتها في “شِراك” علاقة التَّواد الثُّنائي بين “الثروة” المعبِّدةِ طريقَ “السُّلطة”، و بين هذه “السُّلطة” التي اعْتُبرت دالَّةً للثروة، و لا يجوز، من جهة المَنْطِق “السليم” “التفريطُ” فيها.
إن الانتفاضة السلمية، التي حركها سكان الريف، و نُعتوا نتيجتها بــتبني طروحات”انفصالية”، كَشَفَتْ درجةَ بِدائيَّة المفاهيم الثقافية التي يُدار بها الحُكم في المغرب، و اتضح جَلِيًّا أن المؤسسات السياسية للدولة، ما هي، في حقيقة الأمر، سوى مظاهر شَكْلِيَّة لــ”الدولة العصرية الديمقراطية المنشودة”،و لا تعبر، في واقع الأمر، عن حمولة ديموقراطية حقيقية، و لعل ذلك هو ما يُفَسِّرُ حقيقةَ الإفْلاس الذي انتهت إليه التشكيلات السياسية التقليدية.
إن الأحزاب، باعتبارها “مؤسسات عصرية”، كان يُنتظر منها تَجاوُزُ المنطق الجمعي الحاكم للقَبيلة، و كان يُفترض فيها القيام بوظائف “النضال الديمقراطي” لتحقيق برامجها و إفراز نخب مؤهلة للحُكم، لكنها جَنَحَتْ عن هذا السبيل، نظراً لكون هذه الأحزاب لم تظهر في سياق تطور تاريخي قطع المراحل و الأزمنة الضرورية لإنتاجها بشكل سليم و تبنيها بعد ذلك من قبل المجتمع؛ بل ظلت صورية على الدوام، بحيث إن أكثرها عنفوانا لم تحْظَ إلا بالقدر اليسير من اهتمام الناس؛ و بسبب هذا الإفلاس الذي أصاب الأحزاب، و عجزها البنيوي عن ممارسة وظائف التأطير إزاء منتسبيها، أو الاستقطاب العقلاني لفاعلين جدد، فإن تلك الأحزاب استحقت لقب “الدكاكين ” الذي أطلقه عليها نشطاء الحراك الريفي.
إن أزمة البلد الحقيقية، وهي بـالمنـاسبة أزمة قد تفضي إلى عُسْرٍ و إفلاس غير محمود العواقب، تكمُن في عدم قُدرة “النُّخَب المثقفة و المُسيَّسَة” على تصحيح المنظور المتراكم، لدى العوام و الخواص، بشأن مفْهوم الدولة و مفهوم السلطة، و لعلها تكمن أيضا في عَجْز هذه “النُّخب” عن صياغة فلسفة تجديدية باستطاعتها الإجابة عن التساؤلات الحارقة التي تهم الفصل بين “السلطة”، كأداة لتحقيق الخدمة العـامّـة، و بين تحصيل “الثـروة” كهَدَف يُلبي حـاجـات الخدمة الخـاصـة.
و إذا استمر العجز المذكور و امتد و بقي الأمرُ على حاله، فإن احتمال إعادة ترتيب الحروف المُشَكِّلَة لــمصطلح “الثـروة” سيفضي، لا محالة، إلى وضع اسمه “الثورة”..