التاريخ يسجل وهو لا يرحم
جريدة طنجة – إعداد : مصطفى بديع السوسي ( ” نواب الأمة ” )
الخميــس 15 ينــاير 2018 – 14:53:01
ـ كل قرض أو سلف يرتبط بحزمة شروط…
ـ الكل مرتبط بالسعي وليس بالسرقة، والنهب، والنعش، والتدليس، والإثراء غير المشروع.
وبتعويض مجز عن التقاعد استغرب الناس لما قرؤوا عن النية في إلغاء تقاعد البرلمانيين، ووجدوا أنها سابقة لدى أصحاب البطون المنتفخة، والذين دخلوا اصفرا على اليسار (يسار الرقم لا اليسار المعروف) وخرجوا أو ما زالو وهم يجرون أصفارا عن اليمين (ومرة أخرى ليس المقصود اليمين المعروف) واتضح أنها كانت (؟) وتمثيلية فجة لم يهضمها أغلب الناس، فما بين نوابنا وما بين التضحية والإيثار مائة سنة ضوئية ولا يجمعهم مع المال العام إلا النهم والجشع في حين أن نظرتهم للواقع المر للمواطن. الواقع الاجتماعي والاقتصادي تشوبها ثقوب تغيم أمامها الرؤية السليمة، ولا يتعلق الأمر فقط في هذا الاستنزاف المقصود للمال العام بالنواب فقط، كما لا ينحصر الشره وحب المزيد في دائرتهم الأخطبوطية الواسعة، فقد استباح هذه الأرض وخيراتها آخرون وآخرون من مدراء وسامين يعيش بعضهم خارج التراب الوطني، ويحضرون بين الحين والآخر لإثبات الوجود، والزيارة التفقدية للمرافق والمؤسسات التي يشرفون عليها ثم يعودون إلى أوراكهم آمنين مطمئنين حيث البيت الدافئ والأبناء الذين يتابعون دراستهم في المعاهد والجامعات الأجنبية، أو يشرفون على مشاريع استثمارية بأرض المهجر (؟) من الأب وسيولته ولا نحتاج إلى التذكير بالامتيازات وباقي مظاهر الأبهة ليس أقلها عدد السيارات والخدم والحشم كل هذا يتم في المغرب البلد الفقير أو كما يحلو تسميته السائر في طريق النمو ولا نعرف نموا سوى ذلك الذي تعرفه مدخرات، وتعويضات وضيعات ناس المجتمع المخملي، ونظرا للبعد الوجداني، والمجالي، والنفسي، والواقعي بين الوزير والمواطن (؟)
لا أتصور أن يجرأ الأول على تفقد الأحياء الهامشية، والدروب الخلفية، والأزقة التي يعشش فيها الفقر والمسغبة حيث الأجساد المحنطة، والعيون الذابلة، والهياكل الآدمية كأعجاز كل خاوية، والجدران المشبعة بالرطوبة، والنازفة، والآيلة للسقوط وبدورة أخرى طويلة نصل إلى المغرب العميق، إلى عصر الجليد، وإلى قوم ليس دونهم سترا لا يكادوا يفقهون حديثا لا يعرفون طبا ولا مشفا ولا حقنة، إلا حينما حلت عناية الرحمن فاقتحم الملك حفظه الله هذه المجاهل طبا ومددا، وأشاع البسمة والأمل في ربوع كانت خارج الزمن، ومع ذلك لا زال الآخرون يعتصرون ضرع البقرة الحلوب اعتصارا وإلى آخر قطرة ولا زال العاطي “كيعطي” رغم الخصاص، ورغم الكفاف، ولكن ليس الغنى عن الناس فما زالوا كلما احتاجوا إلى مدد لتغطية النفقات، أو إقامة المشاريع يمدون اليد للناس، ويستجدون الصناديق والأبناك والمؤسسات التي لا تعطي المال (؟) .
فكل قرض أو سلف يرتبط بحزمة شروط يجد جهابذة الحكم والأغلبية كيف يصوغونها وكيف يحولونها إلى قوالب مغربية، وكيف يقدمونها للناس فوق طبق من قصديرا وحديد صدأ، ويدور الزمن دورته ليستهلك القرض، وليتم من جديد البحث عن قرض آخر، واستجداء حسنات أخرى تحت الأضواء، والتحايا، والابتسامات المغتصبة ومن جديد ينسحق المواطن الضعيف بين المطرقة والسندان لذلك تزاد الهوة اتساعا بين من يملكون كل شيء إلى أن يقهرهم الموت هادم اللذات ومفرق الجماعات، وبين من لا يملك شروي نقير فيلجأ إلى الحلم ويغيب في عالم ضبابي خرافي ليستعصي في اليقظة، وينأى في الواقع وهل ليس للفقير إلا الحلم ؟ ومع ذلك تتكالب بعض قوى الشر لاغتيال هذا الحلم، ودفع الحالم إلى هوة الجنون في مجتمع ينقسم اقتصاديا واجتماعيا إلى طبقات لا يمكن إلا أن ينبث فيه حقد أعمى قد ينفجر عدوانا وسما يستشري فلا يميز بين الطيب والخبيث، وكثيرا ما عشنا مظاهر هذا الانفجار، وكوامن هذا الحقد، وكثيرا مت نغرض أبرياء للغدر والاعتداء فقط لأنهم تميزوا داخل المجتمع ببسطة من الرزق، وبسطة من العلم والجسم، قد (؟) المخمليون بقوله تعالى “وفضلنا بعضكم على بعض في الرزق” الآية واضحة إنها لم تجرد الإنسان، الإنسان الآخر من الرزق نهائيا وإلا لا تنهى أجله، ولكنها تجعل للرزق درجات فالكل يعيش سواء من كسب قليلا أو كثيرا، ولكن لا للعدمية، الأمور إذن نسبية. وكل طرف يرزق حسب كسبه، هناك من يكسب الكثير ولكن يجده، وسعيه، وكده، وهناك من يكسب القليل وحسب عمله وسعيه أيضا، فالكل إذن مرتبط بالسعي وليس بالسرقة، والنهب والغش، والتدليس، والإثراء غير المشروع وهو ما يجعل الكسب فاحشا، والهوة أكثر اتساعا، والحقد ينمو ويعشش وينطلق لأن الكل يعرف مصدر الكسب الفاحش للآخر.
هنا تنعدم مقاييس العدل القسط، وموازين الكيل بين من يملكون ومن لا يملكون. من هنا يجب فهم قول الله تعالى الآنف الذكر، وليس إطلاق يد الناهبين في المال العام ثم إذا ووجهوا بطبقة الفقراء والمحتاجين قالوا “إن الله فضل بعضكم على بعض في الرزق”. فهو كلام حق أريد به باطل، والباطل في حياتنا اليومية أصبح كماء الشرب يمارس في أكثر من واجهة، وأكثر من مجال لدرجة طغى عما سواه، وأصبح الحق يتيما ينجر إلى المجهول يدفعه المتألبون وأعوان الشيطان إلى هوة سحيقة ليس منها خروج ولا لها منفذ إلى الهواء الطلق النقي.
أخيرا فهل يحتكم “نواب الأمة” إلى ضمائرهم وهل يلتفتون إلى واقع أمتهم ويتخلو عن بعض أنانيتهم. فالتاريخ يسجل وهو لا يرحم ومن أراد الإطلاع فعليه بقراءة كتب التاريخ لأخذ العبرة، ورحم الله الملك الحسن الثاني فقد كان واسع الثقافة، ثاقب النظر، وكان مولعا بالتاريخ وقصص التاريخ، وحكايات التاريخ، وكتب التاريخ وهذا هو بيت القصيد.