التاريخ… والقضاء… والهوية الوطنية
جريدة طنجة – إعداد : م.بديع السوسي ( القضـاء و الهُـويـة )
الأربعــاء 07 مــارس 2018 – 10:56:16
ـ ” الحُكم القضائي بعَدَم مشـروعيـة استعمـال اللّغـة الفـرنسية في الإدارة انتصار قانوني”
ـ بَلَغت الصين و اليـابـان أوج التقدم العلمي والحضاري بلُغتها..
ورغم تَدفُق خِـريجـي “كوليج دي فرانس” ومدرسة القَنـاطر ببـاريـس، و رغمَ حَشو الكلام والحديث بألفاظ مستنسخة، واستعمال كلمات من نـوع “دابـور” “دونك” من لدن ضيوف التلفزيون، فالممثلة الفرنسية لطيفة أحرار صدت رؤوس المغاربة بترقيعاتها اللغوية المفرنسة، وكثيرا من الضيوف يلجؤون إلى المزج بين اللغتين العربية والفرنسية، إما جهلا بالعربية وعجزا عن إبلاغ المعنى بها، أو تباهيا وكأن الفرنسية هي الحضارة والتمدن والعربية هي الجهل والتخلف، كبرت كلمة تخرج من أفواههم.
أخيرا ورجوعا إلى الأصل وهو أصل أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط في شهر يونيو 2017 قرارا بعدم مشروعية استعمال اللغة الفرنسية في الإدارة المغربية، ثم جاءت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط فقضت بتأييد الحكم الابتدائي الإداري بمقتضى القرار رقم : 256 المؤرخ في 31 يناير 2018، ثم جاء تصريح السيد فؤاد أبو علي رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية الذي قال فيه ” إن الحكم القضائي بعدم مشروعية استعمال اللغة الفرنسية في الإدارة انتصار قانوني”.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقد دعت تنسيقية حماية اللغة العربية في بيان أصدرته عقب الحكم القضائي، دعت المواطنين المغاربة إلى رفض تسليم المراسلات والقرارات والإجراءات الموجهة لهم بلغة أجنبية، وإرجاعها لمرسليها لإعادة تحريرها أو ترجمتها إلى العربية، كما دعت التنسيقية إلى رفع الدعاوى القضائية ضد مستعملي اللغة الأجنبية والمطالبة بالتعويض عن الإضرار المادية والمعنوية الناتجة عنها، وأولى المرافق التي تتعامل مع المواطنين بلغة العم موليير هي الأبناك والتي لا تجد غضاضة في أن تخاطب المواطن حديثا وكتابة وتحريرا بلغة أجنبية هي من مخلفات الاستعمار الذي جثم على كاهل البلاد ثقافيا بعد أن رحل عنه عسكريا، ولعل الغزو الثقافي الذي ترصد له أغلفة مالية ضخمة أشد وطأة وأخطر سما من الوجود العسكري، آن الأوان إذن لتعود هذه الأبناك إلى الجادة، وإلى الأرض والهوية المغربية كما آن الأوان ليتحرك المواطنون لرد الاعتبار للغتهم وتراثهم وإلزام هذه المؤسسات المصرفية باحترام لغة البلاد سيما بعد قرار القضاء وقبله الدستور، وكل البلاد العربية تتعامل أبناكها ومؤسساتها باللغة العربية بما في ذلك التي يحتلها الإنجليز كمصر، أو الفرنسيين كسوريا ولبنان (الشام سابقا) ما عدا المغرب والجزائر اللذان لا زالت رياح التبعية الثقافية تجرفهما بعيدا عن المنبع والأصل. ومع ذلك فللمغرب رجال ما انفكوا يحلون عقد التبعية، ومعها عقد النقص التي تبحث على صدور البعض فتمنع عنهم الهواء النقي الطاهر، وما زال التاريخ يسجل لهم النصر تلو النصر وهو يخوضون مرحلة التحرر اللغوي والثقافي بسلاح القانون والحجة والإقناع.
لقد قامت نهضة الشعوب الصفراء في آسيا بلغتها وثقافتها وجهود علمائها ورجالها، فقد بلغت الصين واليابان أوج التقدم العلمي والحضاري بلغتها وتركيا تشبثت بلغتها إلى حد صدر الموت، وحتى سائق سيارة الأجرة في شوارع اسطانبول يصر على مخاطبتك بلغته الأم، فإذا كنت ستسافر إلى بلد ما للسياحة فعليك بتعلم لغته ولو لما تحتاجه من ألفاظ وكلمات وحاجات…عندنا يحدث العكس فنحن من نتعلم لغة الأجنبي حتى إذا جاءنا سائحا وجدنا نتحدث إليه بلغته، وهذا أمر جيد لا شك فيه فالمغاربة يتحدثون الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والألماينة وحتى الكورية واليابانية وقد لمست هذا في عدة مرشدين سياحيين دون أن يكونوا قد مروا أو ولجوا مدرسة للغات. فالشارع أهم مدرسة، إلا أنني لا أعني هذا الجانب في هذا المقال، بالعكس فهذا يعبر ويكشف عن عبقرية المغاربة ، وسرعة استيعابهم، ولكنني أتحدث عن ممارسة اللغة الأجنبية في إدارتنا و تلفزتنا ومؤسساتنا بشكل تفضيلي وتمييزي وبدرجة تبني لا حدود لها، ثم محاولة تقليد هؤلاء الأجانب في كل شيء حتى في طريقة اللباس، تسريحة الشعر فنبدو نسخا كربونية فجة، وما هو غريب هو أن يتحول القدوة إلى كراكيز تمجد الاستعمار، وتروج لدعاويه وأطروحاته وغزواته. فالفن قيمة ومثل ومبادئ وأخلاق.
وحين يتحول الفنان إلى مروج بهلواني للغة الاستعمار، ويستعمل كلمات تغرد خارج السرب وهو قادر على صياغة حديثه بعربية سليمة فإنه يتحول إلى مهرج من سيرك لا يدخله أحد. شاهدنا لطيفة أحرار الممثلة المفرنسية وهي تجسد دورا تاريخيا، وتتحدث عربية سليمة، ونشاهدها في برنامج المواهب الكوميدية وهي تتلون بين العربية والفرنسية، وكثيرون مثلها دون أن ننسى منشطة إحدى البرامج الغنائية الفجة التي لا يستقيم لها حديث وهي تخاطب ضيوفها من الفنانين المفترضين إلا باستعمال كلمات فرنسية في برنامج مبثوث ومقدم أصلا لمغاربة لغتهم الوطينة هي العربية. هؤلاء وأولئك فقراء اللغة، إما جهلة، أو أميين، أو مدعون، ومتباهون وفي كل الأحوال هم من طينة أخرى.
أخيرا فالقرار رقم 256 لقضاء الاستئناف الإداري أعاد التأكيد على هوية الأمة بالرغم من شواذها واستثناءاتها وبيادق فرنكوفونيتها، فهم أولا وأخيرا غثاء كغثاء السيل، فما ينفع الناس يمكث ويترسخ ويتجذر في الأعماق، وما يضر الناس أو يسلخهم عن تاريخهم وتراثهم وقيمهم ومثلهم فذهب جفاء..