لماذا لا تنتقل الرباط إلى حيث الفقر والمرض والمسغبة ؟
جريدة طنجة – إعداد : م.بديع السوسي ( “الفقر و المرض و الحاجة )
الأربعاء 21 فبراير 2018 – 11:07:16
ـ رأينا كيف يعيش أقوام منا خارج التاريخ …
ـ هنيئا بما كسبت يد البرلمانيين ….
ولولا جنود بواسل ما عرفوا وجوها أخرى خلف هذه العوالم المغلقة المعتمة، ولولا حب ملك لكل فلذات الأكباد ما تيسر لهؤلاء إحياء الرحم مع خلق من ديار الأرصفة والمدارس والأبناك والعمران الزاحف كالأخطبوط، ونحصي مجاهلنا وما وراء عوالم الحضارة فنراها لا تحصى لكثرتها، ونعد جاهلينا وأميينا فنجدهم أكثر من الهم على القلب، بل قد نجد جهلة في البدو والحضر، لهم حشم وخدم ولكنهم جهلة العقل والفكر والإدراك لأنهم يفكرون بمنطق “الأنا”، ولأنهم فائضي جهل لا فائضي قيمة، وحيثما ذهبنا يتبادر إلى ذهننا السؤال التالي: أيكون من الضروري حدوث مكروه حتى تتحرك دواليب الإدارة وعجائز الحكومة، أم الأحزاب فلا هي في العير ولا هي في النفير لأنها مشدودة إلى حسابات ضيقة، وتصفية حسابات، وكشوف عن الشعبية، والمجالس والدورات الجامدة ثم المكتسبات والتحالفات وتقاسم كعكعة المناصب والامتيازات والأسفار.
أكان لا بد من موت شابين في تراب مناجم مهجورة بجرادة لتنهض المشاريع فجأة، وتنبثق من العدم، ويجتمع أولو الأمر بشباب المدينة ومنتخبيها؟ لماذا لا تظهر المشاريع إلا بعد حدوث الكارثة؟
ولماذا لا تنتقل الرباط بكل مكاتبها المكيفة إلى حيث الفقر والمرض والمسغبة؟ لقد نادى عاهل البلاد مرارا بالجهوية و اللا تمركز ليصبح المغرب قاعدة واحدة. ورش عمل كامل، وما نراه يعكس نقيض الأمل فحتى المشاريع المبرمجة منذ مدة لم تر أغلبها النور حسب مصادر معنية ومهتمة، ورغم ما يجنيه المغرب من مدخرات واستثمارات. فالحاجة دائما قائمة والاتجاه يروم دوما الصناديق والمصارف الخارجية لتمويل المشاريع، بعض المشاريع. فقد دخلت مكتب الصرف كاستثمارات خارجية سنة 2017 (19 مليار درهم) بزيادة 13 مليار سنة 2016، بينما يبلغ حجم التعويضات 3 مليار درهم أي سدس الاستثمارات الخارجية التي تدخل المغرب، ثم نأتي للحديث البيزنطي الذي لاينتهي حول تقاعد البرلمانيين، وهذه حالة شاذة تطبع حياتنا السياسية مع الأسف، فرغم الخواء والفراغ، ورغم المديونية وقلة الحيلة.
ورغم الجفاف، جفاف الخزينة لا جفاف الأرض، فإنهم ابتكروا طريقة أخرى لاستنزاف المال العمومي، فقد يمر البرلماني مرة واحدة في إحدى المجلسين ومع ذلك يخصص له معاش وتقاعد مريح مثله مثل الذي يقضي سنوات طوال من عمره في الخدمة. أما المتعاقد فعليه السلام فلا تقاعد ولا معاش ولا هم يحزنون. إنه كحمال “الموقف” يؤجر إذا عمل، فإذا انقطع عمله وانتهت عقدته أو فسخت أغلق عنه الصنبور ولم يعد يعطي حتى القطرات. تعاقد أغلق بوابة الوظيفة العمومية في وجه الآلاف التي ستكون الملايين، فهنيئا بما كسبت أيدي البرلمانيين. علما أن البرلماني ليس موظفا وأنه يعوض خلال مدة ممارسته، وقد يأتي التعويض جملة فالمصائب لا تأتي فرادى فيعوض ويعوض وتتعدد التعويضات ولا يقول أبدا : كفى فهو كالتي نرجو الله أن يحفظنا منها كلما امتلأت قالت هل من مزيد.
أهناك إذن كارثة أكبر من هذه؟ وهل هناك نزيف مالي أكبر من هذا النزيف ثم نحاسب سارق دجاجة أخذها خلسة ليطعم بها عياله. وقديما وفي أيام مجاعة عفى عمر بن الخطاب الفاروق عن سارق لأنه سرق ليطعم أهله فلم يقم عليه حد السرقة، وقديما أهلك الله أمما لأنهم كانوا إذا أخطأ كبيرهم قالوا أصبت وقلت سديدا . وإذا أخطأ وضيعهم قالوا أخطأت وأتيت إثما.
ورغم شظف العيش الذي يأخذ بتلابيب شرائح واسعة ورغم كل الخصاص والحاجة.
ورغم الغياب والتغيب المتعمد عن الجلسات العامة لا زال نوابنا المحترمون في المجلسين يرفعون المطالب سواء تعلق الأمر بالتقاعد أو توظيف الأبناء والأقارب أو حيازة السيارات الجديدة الفاخرة التي تقتنى من المال العام، أو التدافع للفوز بسفرية إلى أوربا مدفوعة الثمن والتعويض والسياحة، وعلى المواطن أن يشرب من مياه البحر إن لم يعجبه الأمر. فهؤلاء نواب الأمة لهم الحق في كل شيء أليسوا هم من يمثل المواطن؟ فمن يراقب الحكومة؟
بهذه العقلية يفكرون، ولا أنسى فهناك عقل باطن وهواجس ونوازع تشكل في كثير من الأحيان نزوعات وسلوكات الفرد. فاللهم إنا نسألك الكفاف والعفاف والغنى عن الناس..