عزيز كنوني
جريدة طنجة – عزيز كنوني ( .محاكمة الصحافة. )
الإثنين 26 فبراير 2018 – 15:32:17
ثم إن تلك المنظمات لن تجد بعد اليوم ما يشفي غليلها من أحكام مسبقة على حرية الصحافة بالمغرب، بعد أن اتضح للصحافيين ما لهم وما عليهم، وما عليهم يتعدى بكثير ما لهم، ليس بفعل القوانين التنظيمية “الحديثة” في مجال الإعلام والتي ألغت من “حسابها” “كل ما من شأنه” أن يشكل عقوبات “سالبة للحرية” ، دون أن يوجد ما يمنع من “ترحيل” الدعاوى ضد الصحافيين إلى” الجنائي” الذي لا يوجد بينه وبين القانون الجديد للصحافة إلا الخير والاحسان.
وبمعنى آخر، فقد وجد الصحافيون في “الوقائع” الأخيرة ما يقنعهم بأن لا فائدة من الغوص في الأحداث و”النوازل”، بحثـًا عن الحقيقة التي لا توجد إلا حيث لا يمكن لهُم الـوُصـــول إليها، وإن هم حاولوا، فالويل والثبــور وعظائم الأمور، لمن اجترأ أو تجاسر !!!
محاكمة أربعة صحــافيين لنشرهم وقائع لجنة برلمانية، وفق “إحالة” من رئيس الغرفة الثانية ومباركة عضو بهذه الغرفة، تشكل مادة هامة للتفكير بالنسبة للصحافيين الذين لا زالوا يعتقدون أن أجواء الحرية قد تسمح لهم بـ “التبوريدة” الإعلامية المقبولة، التي هي “ماركة مسجلة” لبعض السياسيين، والحال أن سياسيينا وبعض حقوقيينا بارعون في علم “التأويل” الذي يستنسخ من اللفظ ألف معنى يختارون منها ما يصلح في نظرهم لسد أفواه تتكلم “بلا قياس” وأصابع تكتب “خارج النص” ، بل ولا تتقيد بالنص الذي لا وجود له إلا في علم التأويل والتهويل …..
وإذا أضفنا إلى تلك المحاكمات قضية حديثة تخص صحيفة محترمة، وتتبعنا مجرياتها نزداد يقينا أنه يتحتم علينا السير بـمنتهى “الكياسة” و “المهل” في هذه الطُـرُق الشـــائكة، المحفوفة بالمخاطر، فكل كلمة نخطها قابلة للاستنساخ، إن سلبا أو إيجابا، خاصة حين يتعلق الأمر بمسؤول عمومي “يجب” له المفروض من الاحترام والتوقير، حتى وإن كان وجها “عموميا” يتقاضى راتبه من المال العام مقابل “أجندة” التزم بها في إطار “اللعبة”، لعبة الديمقراطية. وبالتالي فكل خلل يطرأ على عدم احترامه لالتزاماته ، يعرضه للنقد. (كلام خارج الزمان المغربي) !
نعم، ولكن النقد ليس السب والقذف والتشهير.
صحيح، إلا أن هذه الألفاظ تأخذ معان وأشكالا، بحسب الجهة التي تدفع بها أو التي تنتقدها وتستعملها حججا “قاطعة” ضدنا نحن المشاغبين العدميين الحاقدين المستكتبين….. صحيح أيضا أن علينا أن نذكر أسماء الوزراء بصفاتهم الوزارية كاملة، دون أن نبتدع لهم من عنديتنا ألقابا أوأوصافا من وحي القضايا التي نعرضها. ثم ما حملنا أن نشغل أنفسنا بقضايا قد توقعنا في “مشطبات” مع هذه الجهة أو تلك، خاصة حين نعلم أن سياسيينا أصحاب حساسية مفرطة، تجعلهم يتوجهون إلى حيث يمكنهم مطالبتنا بالملايير ، تعويضا عن الشرف والمقام العلي،” ونحن لا نملك في “النزاهة” سوى “سبحان الدايم” !!!…..
ثم لسنا مطالبين بأن نكون ملكيين أكثر من الملك، كما يقول المثل الفرنسي، كما أنه ليس مطلوبا منا أن نكون أكثر حرصا على حقوق الناس من عمر ابن الخطاب أو عمر ابن عبد العزيز، خاصة حين نتأكد من أن صدور الناس ضيقة للغاية وأن كل كلمة نخطها بحثا أو دفاعا عن الحقيقة تحسب علينا وتنسب إلى “سوء نيتنا” وسوء قصدنا، ولو أننا لا نطمح لا إلى كرسي ولا إلى منصب أو راتب ، بل إننا نسعى في الختام إلى أن “نفرج عن كروب المؤمنين، عملا بالحديث الشريف “من فرج عن أخيه كربة من كرب الدنيا فرج الله عليه كربة من كرب يوم القيامة”.
ألا ترون إذا أننا “نخدمكم” حين نخفف الكبت والاحتقان الذي يملك على العديد من المواطنين صدورهم ومشاعرهم، وحين نبعد عنهم الحفزات الغريزية والذكريات المؤلمة وكل ما يثير التوتر والاحتقان بداخلهم إذ أننا حين نطرح علنا قضية من قضايا الشعب إنما نشرك في ذلك ضمنيا كل من أصابته تلك القضية بأذى، ليعتبر أن رسالته وصلت، وصوته وصل إلى من كان يريده أن يصل، فيشعر براحة داخلية عارمة ويظل ينتظر النتيجة التي قد تأتي وقد لا تأتي إذا لم يوجد بيننا رجل عاقل يهتدي إلى الحلول المطلوبة ويبتعد بنا عن مقولة “العام زين” الشهيرة !!!..