يا عصيد… الأمازيغ في المغرب ليسوا خونة و لا صهاينة.. ومطالبتهم بحقوقهم لا ينقص شيئا من وطنيتهم…
جريدة طنجة – لمياء السلاوي (الأمازيغ ليسوا خونة )
الأربعـاء 03 ينايــر 2018 – 12:45:31
والحقيقة أن الخلط هو الذي تعمده عصيد، حين حاول تبرير دعم أمازيغ المغرب لانفصال كردستان العراق من مدخل احترام المرجعية الدولية لحقوق الإنسان، هذا علما أن التعميم لا يصح في هذه الحالة تحديدا، لأن أمازيغ المغرب ليسوا كلهم داعمين لانفصال كردسان، ومن يدعم الإنفصال هم قلة قليلة جدا، إما بسبب الجهل أو بسبب التعصب الأعمى، والمغاربة عموما لا يرون المسألة الكردية كما يراها السيد عصيد بالعين الإسرائيلية ويحاول تبرير الإنفصال بعقلية التآمر الأمريكية، هذا بالرغم من أنه كمثقف، يدرك أن حقوق الإنسان حين تتحول إلى حصان طروادة ” Trojan Horse”، تصبح السياسة مجرد مؤامرة لتحقيق مآرب جيوسياسية ومصالح جيواستراتيجية لا علاقة لها بالإنسان وحقوقه المفترى عليها من قريب أو بعيد، ولنا في ما حدث في العراق وليبيا وسرويا واليمن ولبنان بل وفي تونس ومصر أيضا المثال الواضح الفاضح على طبيعة حقوق الإنسان التي تريدها القوى الصهيو-أطلسية للمنطقة.
لأنه إذا كانت الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى، فإن السياسة هي مجرد أداة في خدمة الإقتصاد، ومن يتحكم في النظام العالمي الجديد هي بيوتات المال الصهيونية التي تهمين على المجمعات الصناعية الكبرى والشركات العابرة للقارات وإمبراطوريات الإعلام، فتوجه السياسات لخدمة جشعها وتعلن الحروب المباشرة والناعمة على من يقف في طريقها، لأن هدفها النهائي هو السيطرة على القرار السيادي للدول بهدف سرقة خيراتها ومقدرات شعوبها، ومن تمانع يتم تقويضها بالفوضى الخلاقة والمشاريع التخريبية التي ما أن تهزم إحداها بمقاومة الشعوب حتى تبدأ الأخرى في متتالية هندسية تبدو بلا نهاية لإخضاع الدول لإرادتها من خلال التحكم في قرارها السيادي بالوكالة.
وإذا كان عصيد قد حاول تبرير انفصال الأقلية الكردية في كردستان عن العراق بسبب تعرضهم لمحاولات إبادة وصلت إلى مستوى جرائم ضدّ الإنسانية و زمن النظام البعثي البائد كما يقول، فإن الإبادة التي يتحدث عنها السيد عصيد لم تستثني الأغلبية الشيعية التي تعرضت لنفس الإبادة بالسلاح الكيماوي، لكنه تعمد تجاهلها لأن الشيعة ليسوا أمازيغ ولا تشملهم منظومة حقوق الإنسان التي يتحجج بها..
كما وأن ما عاناه الشيعة طوال 14 قرنا من الظلم والإضطهاد لم يعاني منه الأكراد، ومع ذلك لم يطلب الشيعة الإنفصال عن العراق، والنظام العلوي المغربي الذي هرب من المشرق إلى المغرب هو أكبر دليل على ظلم العباسيين بعد الأمويين لآل البيت لا لشيئ سوى لأنهم يخالفونهم العقيدة الإديولوجية.
وفي عهد صدام حسين رحمة الله عليه، كان مسعود البرزاني يحكم الإقليم بالوراثة لا بالديمقراطية، والتاريخ يسجل أن حربا ضروسا قامت بين عشيرة برزاني وعشيرة طالباني بسبب فساد برزاني واستئثاره بالسلطة والثروة من 1991 إلى 1996، وقد ذهب ضحية هذه الحرب”الكردية – الكردية” أكثر من 6000 كردي، انتصر فيها طلباني وطرد برزاني شر طردة من أربيل، فلجأ الأخير إلى صدام حسين الذي يتهمه الأستاذ عصيد بقمع الأكراد، حيث دعمه بالحرس الثوري لطرد مليشيات طالباني وأعاده إلى السلطة مرة أخرى على الإقليم.
وبالتالي، فقول عصيد أن الأكراد عاشوا نفس أوضاع الأمازيغ في مواجهة الإديولوجيات الإقصائية والعنصرية مثل القومية العربية والإسلام السياسي نتيجة نشأة الدولة الوطنية المركزية التي تبنت هوية إديولوجية عربية وإسلامية ورفضت الإعتراف بالمكونات الأخرى.. هي مغالطة تاريخية أخرى لا يمكن أن تصدر عن مثقف يدعي أنه خبير في شؤون الأقليات بالمنطقة، لأن وضعية الأكراد في العراق لا تشبه في شيء وضعية الأمازيغ في المغرب وشمال إفريقيا ولا مجال للربط بينهما، لأن الأمازيغ في المغرب ليسوا أقلية تعيش في منطقة جغرافية معزولة، بل كل المغاربة أمازيغ وكل الأمازيغ عرب ومسلمين وليس بمقدور أحد اليوم الفرز بين العربي والأمازيغي بسبب وحدة الأصل من جهة والتمازج الكبير الذي حصل بينهما خلال قرون طويلة من المصاهرة والتعايش المشترك، والسيد عصيد نفسه لا يستطيع الإدعاء أنه أمازيغي قح حتى لو أجرى فحصا جينيا لذلك، ناهيك عن أنه ليس الشخص المناسب للدفاع عن عرق أمازيغي لم يعد له من وجود اليوم إلا في أوهامه، وبالرغم من أن الأمازيغ أصبحوا متمسكين بهويتهم المغربية الأمازيغية والعربية وهويتهم الإسلامية ولا يرضون عنها بديلا، نجد السيد عصيد يحاول عبثا التفريق بين العرب والأمازيغ و يهاجم الإسلام بشكل مستمر من خلال مطالبته بدولة منحلة على النموذج الغربي تستبعد الدين عن السياسة بدل دولة مدنية تقدس الإنسان باعتباره الأصل قبل كل شيء.
والغريب أن السيد عصيد المدافع بقوة عن انفصال الأكراد ضدا في العرب الذين يكرههم كما يكره الموت، ما ينم عن عنصرية دفينة تفصح عن نفسها من بين سطور كتاباته، لا نجده ينتقد “إسرائيل” ولو بكلمة، وكأن ما يحصل في المشرق وشمال إفريقيا لا علاقة لهذا الكيان الصهيوني العنصري به.
هذه الحقيقة المسكوت عنها من قبل عصيد لا يمكن حجبها بتجاهلها، لأن المغاربة ليسوا أغبياء، ويدركون باطلاعهم ووعيهم وحسهم القومي والديني المتجذر، أن انفصال أكراد العراق لم يأتي نتيجة مظلومية العرب ولا نتيجة حرمان الدولة لهم من حقوقهم الأساسية كما هي متعارف عليها كونيا، هذه مغالطة لا تليق بمثقف مغربي من مستوى عصيد يفترض فيه أنه على دراية بحقيقة الأوضاع في عراق ما بعد صدام.
و رسالة أخيرة لعصيد، الأمازيغ في المغرب ليسوا عنصريين ولا صَهاينة، ويتعاطفون مع قضية أمتهم القومية والدينية، وهم قطعا ليسـوا انفصـاليين لأنهم يعيشون على أرضهم المغرب، ويناضلون من أجل الحصول على كامل حقوقهم التي هي حقوق كل المغاربة، ومطالبتهم بحقوقهم لا ينقص شيئا من وطنيتهم، لأن الوطن هو أرض وشعب ونظام وقيم وأخلاق، ولا يمكن اختزال الوطن في فرد أو شيء….”