توفير الأمن والأمان للمواطن في الشارع المغربي، حق أم مُحـابـاة ؟
جريدة طنجة – مصطفى حازين (الأمن والمواطن )
الجمعة 12 ينايـر 2018 – 11:29:20
هذا التصريح جاء على لسان المسؤول الأول عن أمن المغاربة والمقيمين والسياح في المغرب. وقد يتوهم البعض، ممن ينصتون إلى هذا الخطاب الرسمي، أن الشارع المغربي، يسود فيه الإطمئنان على جميع المستويات، وأن المغاربة ينعمون بالأمن والأمان وأنه لا يوجد شيء إسمه الجريمة أو العنف أو السرقة أو الإعتداء أو غيرها من المظاهر المسيئة إلى المجتمع.
إن الغاية الأولى من الأمن بالنسبة للمواطن في الشارع المغربي هي ضمان الشعور بالأمان الإقتصادي والإجتماعي والثقافي والسياسي والمدني والنفسي والروحي حتى يمارس كل حياته بشكل عادي ينعم فيه بالأمن الشامل ويساهم في بناء الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمدنية والسياسية بشكل ايجابي ومتطور، وهادف إلى تحقيق الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية والتنمية باعتبارها عناوين كبرى للأمان الفردي والاجتماعي على جميع المستويات.
فالأمان الذي ينشده الأفراد والمجتمع المغربي يتخذ أبعاداً اقتصادية تتمثل في التمتع بالحقوق الاقتصادية وأبعاداً إجتماعية تتجسد في جعل جميع المغاربة يتمتعون بحقوقهم الاجتماعية وأبعاداً ثقافية تتمثل في جعل المواطنين المغاربة يتشبعون بالقيم النبيلة التي تكسبهم حصانة ضد كل أشكال التخلف والتطرف التي تستهدفهم وأبعاداً سياسية تمكنهم من المساهمة في بناء المؤسسات السياسية الوطنية التي تقوم بحماية الشعب المغربي وقيادته من أجل أن يصير في مستوى مواجهة التحديات الوطنية والجهوية والمحلية بل حتى العالمية وخاصة في عصر عولمة اقتصاد السوق الذي لم يعد يقبل من المواطن البقاء بعيداً عن المساهمة في صياغة السياسات العمومية الوطنية والمحلية، كما لم يعد يقبل منه السكوت أمام عملية إفساد الحياة السياسية من أجل ضمان استمرار الفساد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والإداري، والسيطرة على المؤسسات التمثيلية المحلية والوطنية وتسخيرها لخدمة مصالح خاصة.
وباستقرائنا لمحاولة الأمم المتحدة في إيجاد معنى جامعاً يفسر الأمن الاقتصادي، فقد توصلت للتفسير التالي: ” هو أن يملك المرء الوسائل المادية التي تمكِّنه من أن يحيا حياة مستقرة ومشبعة.
و بالنسبة لكثيرين يتمثل الأمن الاقتصادي، ببساطة، في امتلاك ما يكفي من النقود لإشباع حاجاتهم الأساسية، وهي: الغذاء، والمأوى اللائق، والرعاية الصحية الأساسية، والتعليم”. فالأمن الاقتصادي للشعوب في حالة توفره يعزز الرفاه الشخصي، والسعادة والقدرة على التحمل، كما أنه يعزز في الوقت نفسه النمو والتنمية، فله أهمية عظمى تتعدى أهمية الأمن البدني والصحي والثقافي والغذائي ، فإن ” تحقق فعلا “ يكتنف بين طياته أمنا بدنيا وصحيا وثقافيا وغذائيا …الخ.
فحاجة الشارع المغربي إلى الأمن الشامل تقتضي أولاً إيجاد الآليات اللازمة لضمان الأمن الاقتصادي باعتباره أساساً لأشكال الأمن الأخرى، فالإنسان المحتاج إنسان غير آمن، والأمن الاقتصادي لا يتأتى إلا بالتوزيع العادل للثروة الاجتماعية عن طريق ضمان الشغل لكل العاطلين كيفما كانت مؤهلاتهم العضلية والتقنية وبأجور تتناسب مع متطلبات العيش الكريم الذي ينشده المغاربة ومع متطلبات الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية والترفيهية والحرص على أن لا تكون الملكية الفردية لوسائل الإنتاج مضرة بالدخل الفردي والسبب في الحرمان من العمل، وانتشار البطالة والبؤس والتخلف كما هو حاصل في الشارع المغربي. فالأمن الاجتماعي بجميع مظاهره لا يتأتى إلا بضمان الأمن الاقتصادي خاصة وأن الحركة الاقتصادية برمتها هي حركة اجتماعية وتهدف إما إلى ضمان الأمن الاجتماعي وإما إلى تخريبه مما ينتج عنه حالة البؤس والظلم والتمرد والتخلف والفقر إلى درجة أن المواطنين الكادحين المغاربة لا يستطيع معظمهم حتى الحصول على قوت يومه كما تدل على ذلك الإحصائيات الرسمية الصادرة في تقرير عن المفوضية السامة للتخطيط حمل عنوان “الفقر والرخاء المشترك في مغرب الألفية الثالثة بين سنتي 2001 و2014” الذي أبرز أن معدل الفقر بالمغرب اِرتفع إلى 45 في المئة، حيث كان يبلغ في سنة 2007 نسبة 41,8 في المئة، ففي الوسط الحضري بلغ 40,3 في المئة (% 38,6 سنة 2007)، بينما في الوسط القروي بلغت النسبة 54,3 في المئة (%47,2 سنة 2007 وأن الطبقة المتوسطة انخفضت إلى 41,8 في المئة، (48,5 في المئة/2007)، وبأن الأشخاص الذين يعيشون تحت وطأة الفقر شديد ارتفعت إلى 12.1 في المئة 10.3 في المئة مقارنة بعام 2007.
فانتشار ظاهرة الإجرام في المجتمع المغربي بسبب فقدان الأمن والأمان الاقتصادي يوقع المواطن المغربي في مأزق الحرمان من الحق في الحماية من الإجرام لأن أي مواطن يخرج إلى الشارع صار مهدداً بالعنف أو بالسرقة أو أي شكل آخر من أشكال الجريمة التي صارت شائعة في الشارع المغربي ويصير بالضرورة فاقداً للأمان الشخصي وعاجزاً عن تحقيق الأمان الاجتماعي، فالشيء الوحيد الذي لم يعد قائما في الشارع المغربي هو احترام كرامة المواطنة أو المواطن إلى درجة اعتبار هذا الشارع غابة وحشية روادها من الوحوش التي تفترس بعضها البعض، كل ذلك بسبب غياب الأمان الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي، ذلك الغياب الذي يتجسد في غياب الحرية المسؤولة والديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية وبرامج واقعية للتنمية.
فالأمن الاقتصادي جزء لا يتجزأ من الأمن الشامل، فعدم توفير هذا الأمن يؤثر بشكل ملحوظ على أمن واستقرار المجتمع ومسؤوليته ملقاة على عاتق البرامج الحكومية والقرارات السياسية التي تتخذها الحكومة في إطار برامجها وسياساتها العمومية. فمن المجحف أن نقول أن مهمة ضمان الأمن للمواطن موكولة للأجهزة المكلفة بالحفاظ على الأمن والنظام العام فقط بل هناك مسؤوليات لقطاعات أخرى متدخلة في صياغة السياسات العمومية سواء في المجال السياسي والاقتصادي و الثقافي والإجتماعي.
إننا في الواقع وفي حالة المواطن المغربي، ومن خلال الشارع المغربي، لا نستطيع ان نقول أن هناك برنامجاً معيناً يمكن الإلتزام به حتى تستعاد كرامة الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية والأمنية خاصة في ظل انعدام التواصل والثقة بين المواطنين والمؤسسات سواء المسيسة أو غير المسيسة/ الرسمية أو غير الرسمية ونظراً للتضليل الذي تمارسه بعض وسائل الاعلام الرسمية وغير الرسمية لكن يمكن أن نقول بأن تجاوز تردي الواقع الأمني في الشارع المغربي يقتضي:
– إنضاج شروط قيام الأمن والأمان الاقتصادي، فمن المنظور الاقتصادي لا يمكن أن يتصف أي اقتصاد بالفعالية وبالإنسانية ما لم تتوفر فيه تدابير وإجراءات كافية للأمن الاقتصادي ونظم جيدة للضمان الاجتماعي؛ حيث يكون بمقدور الناس أن يستجيبوا لتحديات الحياة، ويتكيفوا مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تحيط بهم، ويدرءوا عن أنفسهم خطر الكوارث والآفات، ويتمكنوا من تنمية إمكاناتهم البشرية لتوفير حياة أفضل وسبل معيشة أكثر أمانا واستقرارا.
-تكوين بيئة اقتصادية مستقرة وداعمة: وذلك عن طريق سياسة مالية مستقرة ونفقات عامة رشيدة، سياسات اقتصادية داعمة للتنمية ، وبيـئة قـانونـية عادلة.
-تحسين وسائل زيادة الانتاجية المادية: وذلك برفع درجة الابداعية والتقدم التقني في عملية الانتاج و تحسين نوعية وكمية الاستثمار بالعنصر المادي عبر استخدام أمثل وفعال للموارد المحدودة.
– الإعداد الوطني: إعداد الشخصية المؤمنة بالعمل والإنتاج والإتقان، إعداد الشباب لتقبل التغيير وسرعة الاستجابة له والمرونة في مواجهته وغرس الإبداع والابتكار وتنمية القدرة لديهم للإسهام في صنع المستقبل، والإعداد المهاري المنسجم مع مستجدات العصر والمواكب لمتغيرات سوق العمل من خلال تقبل التكنولوجيا وإتقان استخدامها وتوظيفها.
-القضاء على مظاهر الفساد الاجتماعي باجتثاث أسبابها حتى لا تستمر في الواقع، ومن أجل العمل على إيجاد أجيال جديدة لا تعرف شيئا عن تلك الأمراض ولا تعرف ممارستها أبداً.
– القضاء على مظاهر الفساد الاداري ومعاقبة كل ممارسيه مهما كان لونهم أو نفوذهم أو مركزهم الإجتماعي حتى تصير العلاقة مع الادارة خاضعة للحق والقانون و مبنية على الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وربط المسؤولية بالمحاسبة.
والخلاصة ان حق المواطن في الشارع المغربي في الأمن والأمان يستلزم توفير الأمن في مستوياته المختلفة خاصة ضمان الأمن الاقتصادي. فالأمان الاقتصادي الذي يطلبه المواطن المغربي يشمل تدابير الحماية والضمان التي تؤهله للحصول على احتياجاته الأساسية من المأكل والمسكن والملبس والعلاج وضمان الحد الأدنى لمستوى المعيشة، وهذه التدابير الاقتصادية هي التي تصب في النهاية في خلق “الأمان الاقتصادي للمجتمع” وبالتالي ضمان الأمن النفسي سعياً إلى تحقيق الأمان في مستوياته المختلفة للإنسان المغربي وللمجتمع المغربي في الشارع المغربي.
فهل يتحرك اصحاب القرار في الدولة المغربية من اجل اعادة النظر في السياسة التي تستنبت انعدام الامن والأمان في الشارع المغربي حتى يطمئن المغاربة على مستقبلهم؟..