معاناة المواطنين من أمانديس واستهتارها بهم !
جريدة طنجة – علي الإبراهيمي ( أمانديس )
الـثلاثــاء 30 ينايـر 2018 – 12:24:18
جئتُ رفقة زوجتي “خديجة المنبهي”، المُغْرَمَة بطنجة إلى حَد الوَلَع، لقضاء عطلة نهاية الأسبوع. عند وصـولنـــا وجـدنـــــا فاتـــورة الماء والكهرباء فأصـَرَّت زوجتي على أن أقوم بتسديدها في أقرب وقت حتى لا نُفــــاجئ بقطع “الما والضو”. وفعلا ذهبت يوم 19 يناير 2018 على الساعة 11 و56 ثانية، كما هو مثبت في ورقة تـــرتيب الزبناء لشركة أمانديس (وكالة الإمام الغزالي).
قبل أن أجلس مع باقي المرتفقين لاحظت أن عدد الزبائن في الانتظار هو ثلاثة وعشرون (23)، ورغم وجود ثــــلاثة شبابيك لم يكن يشتغل منها إلا شباك واحد. مع العلم أن الوكالة تغلق أبوابها على الساعة الثانية عشرة (12) ليتفرغ الموظفون لأداء صلاة الجمعة.
ألقيت نظرة على المــــرتفقين، أي المواطنات والمواطنين وقلت بصوت عال “هاد الشي ماشي معقول، شباك واحد مفتــــوح”، نظر إلي البعض مُستغرباً ومُندهشاً ولم تُبــــال الأغلبية بما قلته. أشار إليَ بيده رجل مُسِن، اقتـــربت منه، وضع يده على كتفي وهمس في أذني: “برَّدْ، هذا يوم الجمعة المباركة، غير ڱلس ولا غدي يِتْعَكّْسو معــــك” نظرت إليه وقلت له “جمعة مباركة علينا وعليك. مع الأسف أنني لا أحسن تصريف فعـل التبـريـد. غير ما تْخافشِي عليّ أنا مْسَانَسْ فْحَال هدْ الناس…”، نظــــر إليَ، ابتسم وقال “الله يْحَيّدْ عليك ولاد الحرام أ الأستاذ”.
قصدت أول مكتب مفتوح الباب وسألت عن المسؤول، فـأـــجابتني إحدى الموظفات أنه علي أن أتوجه إلى مكتب المســـؤول عن الوكالة. ذهبت إلى ذاك المكتب فوجدته فـارغـــًا، دخلت إلى المكتب المقابل فقيل لي أنهم لا يعرفون أين توجد المسؤولة… صدفة، ولحسن حظي، دلَّني أحد المواطنين عليها “إنها تلك المرأة التي ترتدي جلبـابــــا أسود”. كانت جالسة في أحد المكاتب.
تقدمت إليها وبعد التحية قلت لها سيدتي “هنا زْبَابَلْ ديال المواطنين وكايْن غِير شباك واحدْ” فكان ردها “ماتقولشي الزْبلْ هدُوك راه مواطنين”. لم أرد على ملاحظتها التي كانت خارج السياق، وأردفت قائلة: “أنت تبارك الله بايِن عليك مثقف ويمكن لك أن تؤدي الفاتورة دون مغادرة بيتك بواسطة الإنترنيت أو أية وكالة… بلا ما تْعدَّب”! فأجبـتهـا قـائــــلا:” أنا ماشي مثقف، اعتبريني مواطن من بني حُـزْمـــارْ أريد وضع مــؤونة provision، أنا غير إنسان أميّ وفي الإنترنيت والوكالات لا يمكن إيداع مؤونة…” “لا.. لا باين عليك قاري، أنا ما كونتشي عارْفة هد الشي دْال المؤونة…”
قاطعتها “وأشنو المعمول” فردت “تْسنى مع الناس”. أحسست بأني على وشك الانفجار فابتعدت عنها هنيهَة ثمَّ عُدتُ إليها لأقـول لهـا : “هذا هو ما تُسميه العرب العُذر أكبر من الزَلَّــة” ثـم أضفـت “بعد خروجي من وكالتكم سأقصد على التــو جريدة لأكتب مقالا في المـوضــــوع. لم تبالي في البداية ثم نادت علي “أشريف ما تقلقش أنا غادي نتخلص من عندك” فأجبتها أن “المشكل ماشي ديالي بوحدي”!!
بعد لحظات، وبقدرة قادر، تم فتح شباك ثان… وبعد عودتي إلى مقعدي للانتظار مع باقي المرتفقين المنتظرين توجهت إلي سيدة قائلة “باربو عليك فتحو ڱيشي ثاني…” نظرت إليها وأحجمت عن الكلام.
جـــاء دوري، سددت فاتورتي وأودعت المؤونة.
عند خروجي من الوكالة بدأت في التفكير في ما حدث لي في تلك الصبيحة، وشردت لأصِلَ إلى التأمل في كل ما يقال لنا صباح مساء عن “المواطنة” و”روح المواطنة” و”المسؤولية المواطنة” و”ربط المسؤولية بالمحاسبة” وهلم جـــرّ، من طرف أبواق المخزن/الدولة والمجتمع المدني على حد سواء. ثم وجدت نفسي أفكر في مقـــولاتنا المِكرارة والمبتذلة حول كون “المخزن/الدولة/الدولة العميقة” وغيرها من التسميات هو/هي المسؤول/المسؤولة عن الفساد والرشوة وغيرها من الآفات التي يعاني منها السواد الأعظم من المغاربة.
من ما لا شك فيه أن الدولة هي المسؤول الأول عن الثالوث اللئيم “الفقر والجهل والمرض” الذي يفتك بالمواطنات والمواطنين وأن السياسات العمومية الرامية في مجملها إلى المزيد من “إفقار الفقراء وإغناء الأغنياء” هي السبب في المآسي التي يعيشها المغاربة بدرجات متفاوتة… وبكل جهات ومناطق المملكة السعيدة. هذا بالإضافة إلى تغْيِيب المواطنات/المواطنين في كل ما يهم حياتهم اليومية ومصير الأجيال القادمة، دون الحديث عن الديمقراطية والشطط في استعمال السلطة والاستبداد والمحسوبية والزبونية و…و… أما حقوق الإنسان وحرية التعبير والمعتقد فحدث ولا حرج.
ما أريد أن أخلص إليه في هذه العجالة هو: أين نحن (المغاربة) من كل هذا؟ إلى متى سنُردِد أننا مجرد “ضحايَا” (الدولة/المخزن والسياسات العمومية). ألن نُقلِع عن إيديولوجية “المظلومية”victimisation ؟ متى سيحين وقت أخذنا بناصية مصيرنا بأيدينا ونفضنا غبار الاتكالية والقدرية؟
نعم، الدولة مسؤولة! لكن هل أصبحنا عديمي الإرادة، قدريين وبالتالي غير مسؤولين أو بالأحرى لا مسؤولين عن واقعنا وعن مصائرنا؟ ماذا نفعل يوميا إن لم يكُن مجرد “إعادة إنتاج” النظام السائد، والوضع السائد الإيديولوجيات والعقليات السائدة؟ هل يحدُث لنا أن نتساءل عن سلوكنا اليومي وأن نحاسب أنفسنا باعتبارنا مواطنات ومواطنين نتصرف بروح القطيع؟ نطالب بحقوق الإنسان كاملة غير منقوصة ولا نطبقها حتى في بيوتنا، دون الحديث عن هيآتنا السياسية والنقابية والمدنية… نطالب ونطالب، وذلك حق من حقوق المواطنة التي نحلم بها. لكن، على من بيته من زجاج ألا يضرب الناس بالحجر!
علينا أن نكون في مستوى مطالبنا، سلوكا وممـارسـة. علينـا أن نلفظ الازدواجية في الخطـــاب والفعل… وبكل بساطة ينبغي لنا أن نتحمل مسؤولياتنا وأن نُقلع عن “إيديولوجية” الطْرَمْبِيّا هرْبتْ عليّ”! وإلا فإن باخرتنا لن تبحر أبداً. هذا إذا كانت لنا أصلا باخرة، بل وحتى مجرد قارب… هل يختلف سلوكنا، في جوهره، عن سلوك القيمين على الشأن العام “صْحاب الوقت” في بلادنا. ألا نتوفر على وسائل حضارية وسلمية، فضلا عن كونها قانونية، “لتغيير المنكر” كما يقال. إلى متى سنستمر في التزام الصمت والاحتجاج خلسة في المقاهي، ونعت كل من تجرأ على الاحتجاج بالقول “هذا راسُو سْخُون”.
الحديث قد يطول إلى أن يُصبح مملا، فضلا عن كونه مكرورا ومتداولا، حيث يغدو مُبتَذَلاً من شِـدّة تكـــــراره. لكنه موجه هنـا أسـاســًا إلى المَغــاربة المتعلميـــــن الذين نـالـوا حَظّهـــم من المـعرفـة، وهم كثر، (المهندسون، الأطباء، المحامون، الأساتذة بمختلف أصنافهم، الأطر العليا والمتوسطة، المثقفون وأشباه المثقفين… الخ). وحين نال هؤلاء حظهم من التعليم، أصبحوا من ذوي “الامتيازات” التي تُلقِي عليهم مسؤولية تجاه مجتمعهم ومواطنيهم أكثر مما هو شأن النخب في المجتمعات التي استُأصلت فيها الأمية التي ما تزال منتشرة في صفوف جزء غير يسير من المغاربة حسب الإحصائيات الرسمية نفسها.
لكن المصيبة و/أو المأساة المضحكة عندنا هي أن “نخبتنا” أصبح شغلها الشاغل مراكمة الأموال والتباهي “بنجاحاتها” الاجتماعية من خلال اقتناء آخر المستجدات في كافة المجالات، إضافة إلى التزلُف ومحاولة التقرب من دوائر أصحاب القرار الحقيقي ببلادنا. وهذه “النخبة” (ويا حسرة) تُلقي باللائمة في ذلك على الشعب الأميّ، الانتهازي “شعب أغيول” كما يحلو لبعض “المثقفين” تسميته.
والحال أن عموم المـــواطنين يعيشون بين كماشة ثالوث “الفقر والأمية والمرض”، يكتوون بنار غلاء المعيشة، يعـانـــون من الفاقة والجهل والأمراض والأمية، بل ومن التجهيل العمد، والعزلة والإقصاء في حين يدَّعِي البعض “بلا حشمة بلا حيا” إن المغرب بخير والحمد لله وأن الأعداء يتربصون بنا ويغبطوننا على البحبوحة التي نعيش فيها، وللتأكد من كل هذا ما عليكم إلا أن تولوا وجوهكم إلى جيراننا الأقربين وإلى إفريقيا جنوب الصحراء… الله أكبر!!
خلاصة القول هو أن النازلة التي عشتها ليست سوى نَــزر قليل من استهتار كل المرافق العمومية والخصوصية واسْتِبْــــلادها لكافة المواطنات والمواطنين البسطاء ما داموا صامتين. وكما يقال عندنا “السكوت علامة الرضى” ليس إلا! فضلا عن القول المأثور “كما تكونوا يُولَّى عليكم”.
ويبقى الأمل، كل الأمل، أن يحين زمن التخلي عن مساوئ سلبيتنا ومظلوميتنا وقدريتنا والانتقال إلى مزايا الاحتجاج، الفردي والجماعي، السلمي والحضاري …