المعاناة المادية و النفسية لخريجي الجامعات و المدارس العليا عندما يجدون أنفسهم عاطلين عن العمل بالرغم من الكفاءة و التميز
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( حاملي الشواهد العُليا والبطالة )
الجمعة 12ينايـر 2018 – 11:00:09
لكن ماذا لو حصل العكس، ووجد الأب ابنه الشاب صدت في وجهه كل الأبواب، وكان مصيره البطالة رغم شهادته الجامعية؟ هذا بالضبط ما أصبح يؤرق بال العديد من الأسر المغربية بل أضحت معاناة تعيشها جل الأسر.
وتكشف الشهادات التالية حجم المعاناة التي يعيشها الآباء يوميا مع أبنائهم العاطلين، منهم من استسلم، ومنهم من لايزال يواصل البحث عن مخرج مهما كلفهم الأمر من تضحيات مادية ومعنوية، خوفا على أبنائهم من مستقبل مجهول، فالفراغ هو الطريق الأقصر إلى الإنحراف بجميع أشكاله، ومقابل معاناة الآباء لا يمكن تجاهل الضغط النفسي الذي يسيطر على شاب او شابة لا تعمل، حتى ولو لشهور معدودة، فما بالك اذا استمر الوضع لسنوات، لكن يبقى عدم الإستسلام لليأس والبحث عن حلول ذاتية، السبيل الأمثل للخروج من مأزق البطالة.
يقول أحد الآباء، أن التفكير في مستقبل الأبناء يبدأ منذ سنوات الدراسة، فالخوف من البطالة هاجس يسيطر على الأم و الأب على حد سواء، خصوصا لو كان الأب مجرد موظف أو مستخدم بسيط، حيث يحلم باليوم الذي يعمل فيه أولاده، ويخففون عنه العبء قليلا، لكن إذا لم يتحقق ذلك، فالمعاناة تكون من نصيبه، و«أكثر ما أخشاه على أبنائي اذا لم يجدوا عملا، هو انحرافهم أو تفكيرهم في الهجرة إلى أوروبا بطريقة غير شرعية، الأمر الذي أصبح بمثابة عادة يمارسها الشباب العاطل للهروب من واقعهم». هذا ما قاله أحد الآباء، ويعلّق حميد، 30 عاما، وهو شاب حاصل على شهادة جامعية، بمرارة عن سنوات البطالة التي امتدت في حالته إلى أربع سنوات، قبل أن يحصل على عقد عمل في دولة الإمارات، أن أكثر ما كان يؤلمه هو الكلام الجارح الذي يوجهه له أبوه كل يوم، طالبا منه الخروج للبحث عن العمل، بالرغم من أنه طرق جميع الأبواب. يقول «كان أبي يقول لي بأنه لم يعد مستعدا لتحمل مصاريف أكلي وشربي، مستخدما مثلا مغربيا قديما يقول أن «اللحية لا تحمل اللحية إلا للقبر»، ومعناه أن الرجل لا يعيل رجلا مثله، وهذا الكلام كان يزيد من إحباطي، اذ كنت أشعر بأن لا جدوى حتى من وجودي على قيد الحياة». ويضيف حميد أن أمه هي الوحيدة التي وقفت بجانبه في أزمته، وكانت توصيه بالصبر وعدم اليأس، وتمده من حين لآخر ببعض النقود مقتطعة إياها من مصروف البيت.
وبخلاف المعاناة التي عاشها حميد، وعدم تفهم والده لوضعه، قال أنور، وهو شاب تخرج منذ عام ولايزال يبحث عن عمل، أنه حتى الآن يجد تفهما من طرف والديه اللذين يصبرانه ويطلبان منه عدم اليأس والإستسلام. لكنه تساءل: «إلى متى سأحظى بهذا الدعم، فأنا نفسي أصبحت أخجل طلب المال من أبي و أمي؟». ويضيف أن الفراغ هو أصعب شيء يعانيه «فلو كنت بنتا فعلى الأقل كنت سأقضي اليوم في مساعدة الوالدة في أشغال البيت، لكن كل ما أفعله الآن، هو التسكع طوال النهار، والمساء أقضيه في مشاهدة التلفزيون».
أما عائشة وهي أم لثلاث بنات وولد، فتقول: «اليوم حتى البنت لم تعد تقبل أن تبقى من دون عمل، فما بالك بالولد؟ فهذه المشكلة تؤثر على الأسرة بكاملها، وتشير إلى أنها عاشت هذا الوضع من قبل مع ابنها الذي ظل من دون عمل بعد التخرج مدة ستة أشهر فقط، إلا أنها كانت كافية للتأثير على نفسيته بشكل سلبي جدا، حيث «أصبح عصبيا ومتوترا ومفرط الحساسية، خصوصا عندما يدور أي حديث عن الأمور المادية لأنه يعتقد أنه المقصود وبأنه أصبح عالة علينا، وبسبب ذلك أصبحت حذرة جدا في كلامي، من باب خوفي عليه أن يصاب بالإحباط. لكن حمدت الله بأنه وجد عملا مناسبا عند خاله، الذي أخرجه من حالة الضياع التي كان فيها».
وجود شخص عاطل عن العمل في البيت او اكثر، مشكلة لا تشغل بال الأبوين فقط، بل يمتد تأثيرها أيضا إلى الأبناء الآخرين، خصوصا لمن مازالوا في طور الدراسة، حيث يلاحظ أن بعضهم يترك مقاعد الدراسة بعد أن فقدوا الحماس لإكمال تعليمهم عندما رأوا ان الأخت أو الأخ الأكبر، الذي كان بمثابة قدوة لهم، لم يحصل على فرصة عمل بعد التخرج.
وتحكي فتاة موظفة أنها تعيش معاناة نفسية يومية مع أخيها العاطل «أكثر ما يؤلمني هو عندما أغادر البيت صباحا الى العمل، وأتركه في غرفته متظاهرا بالنوم، حتى أني أتمنى لو أستطيع أن أقتسم معه مرتبي البسيط لإنقاذه من هذا الوضع الذي حوله إلى شخص انطوائي يتجنب لقاء الآخرين، لأنه لم يعد يتحمل نظرات التحسر والشفقة في عيونهم، ولا حتى دعواتهم المتكررة له.
كان حلمها أن تصير مهندسة تقود بنفسها سيارتها إلى مكتبها لتسير الإجتماعات وتشرف على مشاريع كبرى، فلم تجد أمامها إلا الزواج بعد انعدام فرص الشغل في ميدان تخصصها بسبب الأزمة الإقتصادية التي طالت المغربـ، تُدعى سناء وتتكفل الآن بأشغال المنزل، تبدد حلم امرأة عصرية في مرايا مستقبلها، ووجدت نفسها تسير على خطى جدتها التي أحكم المجتمع سجنها في وعاء المرأة التقليدية التي يجب أن ترضخ لأوامر وقرارات وفكر الرجل وأن تبقى كل تفاصيل حياتها خاضعة لهواه، كما تقول الفتاة.
رجاء مجازة عاطلة منذ سنوات عن العمل، تخرجت في سنة 2003 تخصص قانون ومنذ ذلك الوقت وهي تعيش تحت وطأة “شبح” إلتهم حاضرها وهدد مستقبلها، تتكلم بعبارات متقطعة و زفرات تخنقها الدموع لصعوبة تحمل الأمر وزميلات لها يحاولن جاهدات حبس الدموع المنهمرة بعد أن دفعن ثمن التسلح بالثقافة والتعلم “أجتاز المباريات(الإنتدابات في العمل) و أكون متأكدة من كون إجاباتي جيدة و دائما بدون نتيجة”.
رجاء وزميلاتها منى وحنان انتهى بهن المطاف في غرفة ضيقة في أحد الأحياء الهامشية بسلا دون معين و همهن البقاء قريبات من العاصمة الرباط لمواصلة “النضال من أجل عمل يخرجهن من البؤس المتواصل”، الساعة تشير إلى الثالثة بعد الزوال ومكان التجمع الدائم الساحة القريبة من مقر البرلمان، هنا تهتف رجاء، منى، حنان وأخريات بشعارات تعودن على ترديدها سنوات خلت، ورغم برودة الطقس، فهن مصرات، كما يؤكدن، على مواصلة الإحتجاج حتى تحقيق مطالبهن.
تتساءل أمل، عاطلة عن العمل وحاصلة على الدكتوراه في العلوم السياسية، ” لماذا تم قبولنا (في الجامعة)مادامت تخصصاتنا بدون آفاق”. تصمت للحظة وأصوات أخريات ما تزال تصدح، سكوتها دام هنيهة، شربت جرعات من الماء وواصلت في ترديدها” أين هي النزاهة “.
وتضيف الدكتورة العاطلة التي اشتعل رأسها شيبا ووهن جسدها من رحلات الكر و الفر مع الشرطة: ” نعم بعض الميسورات وجدن عملا لكن بـ” الواسطة” ونحن ” جيش ” الفتيات ننتظر في قاعة الإنتظار الإجباري….
لم تكن أبدا تدري أن مآلها الدراسي سينتهي بها في حصص عند دكتورة نفسية للعلاج من اكتئاب حاد أصابها بعد أن رأت حصولها على المرتبة الأولى في المدرسة المحمدية للمهندسين سيتمخض عنه البطالة، لتنزوي لبنى ذات 24 سنة، في حالة انطواء، أصابها بالإحباط والتوتر النفسي .
رضوان أسطو مستشار المكتب الوطني للنقابة الوطنية للمهندسين المغاربة، مهندس الدولة يرى أن “البطالة في صفوف خريجي مدارس المهندسين هي ظاهرة ليست بالحديثة فهم قلائل من يحضون بفرص تمرين مع وعد بالتشغيل، إلا أن الخطير هو ما نشهده حاليا، حيث أصبحت تمتد مدة العطالة إلى ما يناهز السنتين في بعض الحالات، الخلل ليس في طالب الوظيفة بل في المناخ العام” وأضاف أنه منذ إطلاق مبادرة 10000 مهندس و مهندسة نددت النقابة الوطنية للمهندسين بهذه المبادرة الكمية التي لم تكن نتيجة دراسة علمية تضمن جودة التكوين.
والحل الجذري، برأيه، هو توقف وزارة التعليم العالي و الحكومة عن التسيير البيروقراطي لملف المهندسين ولا أدعوهما لإشراك ممثلي المهندسين في أخذ القرار بل إلى التحلي بالشجاعة الكافية لإخراج هيئة المهندسين إلى الوجود”.
أما حكاية خريجة المعهد العالي للإعلام والإتصال فتختلف شيئا ما، تقول: “درست أربع سنوات بتفوق لأحصل على دبلوم صحافية سيمكنني من الحصول على عمل، لا أنكر أنني وجدته في البداية في تلفزة إلكترونية لكن للأسف سأتركه لأن طموحاتي لم تتماشى مع خطها التحريري والتعويض كان هزيلا”.
يقول د. رشيد الجرموني الباحث في علم الإجتماع، إن من بين التداعيات التي تتعرض لها شريحة الفتيات، نجد الإحباط النفسي، حيث أن هذه الفئة تشكلت لها رؤية مغايرة بعد سنوات التخرج لكنها بمجرد حصول هذه الأزمة يقع لها انهيار يحطم أحلامها، فيفقدن تقدير الذات ويشعرن بالفشل ويزداد القلق والكآبة كما أن معاناة الخريجات تزداد بسبب الضيق المالي الناتج عن البطالة، ولهذا “فنحن نعتبر أنه إذا كانت للبطالة انعكاسات تنموية واقتصادية وسياسية فإن انعكاساتها النفسية أعمق وأشد”.
في هذا الصدد، تقول فاطمة الكتاني، الأخصائية النفسية، أن وجود شاب أو شابة عاطلة عن العمل في البيت يسبب إحباطا كبيرا للأسرة بكاملها، لكن وحتى لا تتفاقم المشكلة، لابد أن يحافظ الأبوان على علاقة طبيعية مع أبنائهم العاطلين، لأنهم في أمسّ الحاجة إلى الدعم النفسي، عبر بث الأفكار الإيجابية بدل توجيه اللوم الذي يسبب لهم أذى نفسيا، ويعمق لديهم الشعور بتأنيب الضمير لأنهم خيبوا ظنهم.
وتنصح الكتاني أي شاب أو شابة عاطلة بـ«التسلح بالأمل والتفاؤل لأن الشخص اليائس والمحبط لن ينجح في إيجاد عمل مهما قضى سنوات في البحث عنه».
وبما أن العاطل عن العمل يحتاج إلى أفكار عملية وليس مجرد حلول نظرية، طالبت الكتاني الآباء بمزيد من الصبر والتضحية، بمنح فرصة تكوين إضافية للإبن في بعض التخصصات المطلوبة في سوق الشغل، والتي لا تتعدى ستة أشهر إلى سنة، إذا كان لديهم مبلغا موفرا من المال، أو دفع أقساط اشتراك في النوادي الرياضية الموجودة في الأحياء لفائدة الأبناء، وهي في الغالب أقساط بسيطة جدا مقابل ما قد يتعرضون له جراء الفراغ والإحباط، لاسيما أن الرياضة تساعد على التفكير الإيجابي، ووسيلة لتفريغ الطاقة، والمهم، في رأيها، هو المحافظة على هدوء الأعصاب، وعدم إظهار أي تذمّر إلى حين إيجاد حل..