المشردون و أحوالهم في كل فصل شتاء …… إرحموهم يرحمكم الله
جريدة طنجة – لميـاء السلاوي (“المُشردون تحت برد السماء”)
الخميـس 07 شتنبر 2017 – 10:26:06
أطفال بوجوه شاحبة، غـابت نَظـارتها، وتراجع ألَقَها، وفقد فيها ـنزق الحيـاة وروعتهـا.عيـونهـم غـائـرة،وأجسامهم هزيلة،ونفوسهم مهيضة، هَدّها الضَيـاعُ ،وأتعبها الجوع، لتموت في أعماقهم كل تلك المعاني والأماني الجميلة في الحلم بغد أفضل.
لقد أضحت أحلامهم موقوفة عن التنفيذ بعدما اقتلعهم القدر من أحضان أسرهم الدافئة، ليمج بهم في عوالم مجهولة المعالم، لتتحول حياتهم إلى جحيم يكتنفها الغموض ويطبعها اليأس، ويسمها الحرمان.
الكلام هنا عن أطفال الشوارع المشردين.
تعود مع كل فصل شتاء قضية إنسانية بالدرجة الأولى، وإحدى مهام ومسؤوليات الدولة، والمتمثلة في حماية الآلاف من المغاربة الذين رمتهم الأقدار ليعيشوا دون مأوى، ويقضون لياليهم داخل زوايا ضيقة، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، إلا من بعض الأسمال البالية أو قطع الورق المقوى “كرتون” أملا في أن تحميهم من صقيع برد قارس وهطول أمطار متواصلة، أو التفاتة إنسانية من جمعية خيرية أو أفراد، يقدمون لهم وجبة ساخنة تعيد الدفء لأمعائهم الخاوية.
“المشردون” هم فئة من البشر موجودون في كل مكان، إعتادت أعيننا على رؤيتهم دائما، ليس لهم مأوى ولا دخل ولا طعام، مجرد رؤيتنا لهم نشعر بأننا فقدنا جميع معانى الإنسانية، لرؤيتهم في الشوارع دون مأوى، يرتعدون من البرد القارس في الشتاء، فقط يحاولون الحصول على مساعدات، وللأسف لا يوجد اهتمام بهم من قبل الجهات المعنية.
مشردو الشوارع والأزقة، ظاهرة اقترن نموها باتساع نطاق الفقر والبطالة وانعكاسهما على استقرار الأسرة المغربية، فهم ضحايا فشل السياسات الإقتصادية في تحسين دخل الفرد وضحايا فشل القطاعين العام والخاص في توفير فرص عمل تلبي تطلعات الكادحين وتأخذ بأيديهم نحو مزيد من الإنتاج والاستقرار الحياتي، يضاف إلى ذلك ضحايا العنف الإجتماعي من الأطفال والشباب، الذين غالبا ما يلجأون للبحث عن بصيص أمل في العيش بسلام، فتصدهم القسوة بتوحش ليؤول مصيرهم إلى التنازل عن جل حقوقهم مقابل البقاء في مجتمع تتناغم فيه معاني الشقاء والحرمان والويل من المجهول مع البرد والجوع والمخافة، إنه مجتمع المشردين الذي ينمو عاما بعد آخر على حساب مجتمع العقلاء دون أن يبدي الأخير أدنى خشية أو تعبيراً عن قلق من الإرتفاع المضطرد لأعداد المشردين المتجاهلين من قبل الدولة.
ورغم المعاناة إلا أن مجتمع المشردين في المغرب يتسم بالتعايش بين المشردين (المختلين عقلياً)، والذين تخلت عنهم أسرهم ومنهم ما يمكن وصفهم بالتائهين في الحياة الذين ارتضوا أن يعيشوا بعيدا عن معرفة أهاليهم بمعاناتهم وهم عقلاء، إلا أن فشلهم في الحياة دفعهم إلى العيش بعيداً عن أهاليهم، ومنهم من يحملون أسماء مستعارة، ويحرصون على تغيير ملامحهم لكي لا يعرفهم الآخرون ومنهم من وجدوا أنفسهم في مجتمع التشرد، حيث تقطعت بهم السبل وحال عليهم العوز والفقر ولم يستطيعوا التحرك، ويصنفون بالمشردين مؤقتاً، سيما وأن معظم أولئك المشردين الجدد قدموا إلى العاصمة بحثاً عن عمل فلم يجدوا، فأنفقوا كل ما بحوزتهم من مال، فبات الرصيف مأواهم المؤقت، ورغم ذلك فإنهم بمختلف أصنافهم يعيشون أجواء مفتوحة لا سطوح فيها ولا جدران، يتقاسمون برد الشتاء بأجسادهم العارية وأمطار الصيف، ولم يجدوا ملجأً أو داراً يأويهم فيقبلون بقهر الواقع والعيش على الرصيف في مجتمع التشرد.
قد يكون غياب دور الدولة في حماية هذه الشريحة المسحوقة أبرز أسباب معاناتها، ولكن لا ننسى بأننا مجتمع وصفه رسول الأكرمين بالأرق قلوبا والألين أفئدة، فمعظم المشردين في شوارعنا من مرضى نفسيين وكادحين وغيرهم لهم أسر، ونحن في مجتمع (محافظ)، الغريب أن غياب الأسرة لم يكن سبباً لقيام منظمات حقوق الانسان بحفظ كرامة هذه الشريحة.
في منعطف حي قديم طفل صغير إفترش الأرض وتوسد نعليه المحطمتين ثم راح يغط في نوم عميق…. لم يخفه الظلام ولم تزده الوحشة إلا كرها لنفسه… شعره الطويل تهدل فوق حاجبيه وثيابه الواسعة جعلته يبدو أكبر من عمره…. سنتان مضيتا وهويسكن المنعطف ألف كل شيء فيه، حتى القطط و الفئران والكلاب …الظلام والأحجار…سقوف الأبنية العتيقة …خرير الأمطار ..و ذات يوم وضع رأسه على عتبة المنعطف سمع صوتا يناديه من بعيد ففزع وقفز يحبو كأنه طفل صغير تذكر إن الصوت ليس غريبا على مسامعه فلطالما سمعه وهو يحلم خلال غفواته الطويلة…. كان الصوت حنونا رقيقا لم يسمع بين أصوات الناس مثله انه يخاطبه..إنه ليس حلما…. إنه حقيقة…… دنا من الصوت…. رأى شبح امرأة…مسح عيونه وحدق مرة أخرى لم ير شيئا…..
لكن الكلمات ظلت ترن في أذنيه ،،،،،،،”ولدي الحبيب تنام في قارعة الطريق”؟
يقول الباحث الإجتماعي محمد لطفي، إن أعداد المشردين في ارتفاع مستمر، متأثرة بكثرة المشاكل الإجتماعية الناجمة عن التفكك الأسري مثل الطلاق أو فقد أحد الوالدين، وانتشار تعاطي المخدرات والجرائم وارتفاع نسب البطالة والفقر والفشل الدراسي، واعتبر أن هذه المشاكل تغذي أفواج المشردين وترفع أعداد الذين يهيمون على وجوههم في الشوارع هرباً من المشاكل والضغط العائلي وبحثاً عن حياة الضياع حيث تنعدم المسؤولية والمحاسبة.
وأوضح أن أغلب المشردين لم يتحملوا قساوة البرد في الشارع خلال الفصل الحالي، فبحثوا عن أماكن تحميهم من البرد مثل المقابر والمنازل المهجورة، بينما ظل بعض المشردين يعيشون في العراء حيث أمضوا الليالي الباردة بقدر ضئيل من صور الحماية متمثلة في الأغطية والصناديق الورقية كما أضرموا النيران لحماية أنفسهم من موجة البرد والصقيع غير المعهودة التي تجتاح المغرب حالياً.
وقال إن ”المشردين فئة تجمع شريحة من العاطلين والمدمنين والمتسولين والمجرمين والأطفال والمعاقين والمسنين يجوبون الشوارع ويستوطنون الأرصفة والأزقة والممرات ويعيلون أنفسهم من خلال بيع أشياء بسيطة على إشارات المرور أو من خلال التسول”.
وأكد أن القضاء على هذه الظاهرة يستلزم حل مشاكل المشردين ومساعدتهم على إيجاد عمل أو الحصول على مساعدات مالية ووضع المسنين والمعاقين والأطفال في دور الرعاية، وتوزيع منشورات ولافتات في الشوارع الرئيسية لتوعية المواطنين على التعاون في حل هذه المشكلة التي تعكس صورة غير حضارية تسيء الى الإنسانية.
وأكد أن كل هؤلاء المتشردينن يتم استغلالهم في التسول الغحترافي أو السرقة أو توزيع المخدرات، واعتبر أن ردع هذه الظاهرة يبدأ من عدم الإنصياع إلى هذا الإبتزاز بدافع الشفقة، وعدم السماح للمشردين باستغلال التكافل والبر والرحمة في استدرار العطف، وإعادة إدماجهم في المجتمع بخلق أنشطة مدرة للدخل لفائدتهم حتى لا يكونوا عالة على المجتمع ويتسببون في ضعفه وهوانه وتقديم صورة سيئة له.
والآن سنخاطب الوزارة المعنية بالشؤون الإجتماعية و الجهات المسؤولة عن هؤلاء المواطنين و نقول لهم: أين أنتم من المجتمع وشؤونه؟.. الناس يباتون في العراء، وأنتم لا تحركون ساكنا، اسم الوزارة و الجهات أكبر من عملهم البئيس ، و نخاطب كل مغربية و مغربي : أين ضميركم الإنساني الحي.. أين التراحم والتآزر؟! ، لماذا نصرف وجوهنا حين نرى هؤلاء وكأننا لا نرى سوى أحجار تنام على الأرض!! هؤلاء إخواننا فمن لهم إن لم يكن أنتم؟..
إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء….